غيابات السجن، بحجة التمذهب بمذهب جديد والابتداع في الدين، والقول بالحشو والتجسيم.
وظلت الحال كذلك إلى أن ظهر في أوائل القرن الثامن الهجري، زعيم المجددين وقائد النهضة الإسلامية الحديثة، شيخ الإسلام ـ غير مدافع ـ أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية يحمل مشعل الدعوة إلى مذهب السلف من جديد فهاجم جميع الفرق القائمة يومه ذاك، وأظهر مذهب السلف بأدلة الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة. فظهر مذهب السلف واتبعه كبار أئمة عصره، ولكن لم يكن لهؤلاء شوكة ودولة تنصر مذهبهم وتنشر آراءهم، إلا أنهم تركوا ثروة علمية كبيرة انتفع بها خلق كثير.
حتى جاء القرن الثالث عشر الهجري وظهر في نجد الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، يحمل نفس الدعوة التي حملها ابن تيمية، ويقوم بنفس العبء، ولكنه في هذه المرة كانت معه شوكة وله دولة، أصبح مذهب السلف مذهبها ودعوتها وغايتها، فانتشر في الآفاق وأصبح له في كل مكان من الأرض أنصار وأعوان ودعاة. واستدار الزمان كهيئته يوم بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فانتشرت أنوار التوحيد وأدي حق الله على العبيد.
ووصل مذهب السلف إلى مصر قديماً مع ابن تيمية، وحديثاً مع أبناء محمد بن عبد الوهاب الذين اتخذوا لأنفسهم بمصر بيوتاً، وصارت بيوتهم قبلة للعلماء الموحدين.
وفي مصر تعرف رشيد رضا على مذهب السلف، حيث لم يعرفه في وطنه الشام، واطمأن به قلبه بمطالعة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته، فتمذهب به ودعا إليه وعمل على نشره بواسطة مجلته الذائعة الصيت، فوصل هذا المذهب إلى كل مكان وصلت إليه مجلة المنار.
لقد بلغ رشيد رضا من الشهرة والمكانة مبلغاً عظيماً، فتردد اسمه في العالم الإسلامي وغير الإسلامي، بل في كل مكان طلعت عليه الشمس.
ولقد كانت المدرسة التي أسسها رشيد رضا وانتشرت أفكارها بفضل مجلة المنار، محط أنظار الباحثين من المسلمين وغير المسلمين، باعتبارها