للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفلسفية، ظاهرة تاريخية في التفكير الديني ١. إلا أن المتكلمين المسلمين لم يقنعوا بتأويلاتهم الباطلة فأرادوا أن ينسجوا من خيوطها البالية ثوباً منطقياً، موشى بزخرف القول، يواروا به سوءتهم العقلية، ومن أحجارها المتنافرة بيتاً "مجازياً" يستظلون به من شمس الحقيقة المشرقة، ولكن الخيوط البالية صنعت لهم ثوب سوء لا يستر شيئاً، وإذا البيت الذي أرادوه كبيت العنكبوت، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت. وضع المتكلمون قانوناً ٢ للتأويل: وهو: قاعدة عامة يؤولون على أساسها نصوص الكتاب والسنة التي لا تقبلها عقولهم ٣. وبُني هذا القانون على فرض محال هو: تعارض العلوم الضرورية، ثم وجوب تقديم العقلي منها على السمعي ونص هذا القانون: "إن الظواهر النقلية إذا عارضت الدلائل العقلية لم يمكن تصديقهما ولا تكذيبهما، لامتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما، ولا تصديق النقل وتكذيب العقل لأن العقل أصل النقل، فتكذيبه ـ أي العقل ـ لتصديقه ـ أي النقل ـ يوجب تكذيبهما، فتعين تصديق العقل وتفويض علم النقل إلى الله أو الاشتغال بتأويل الظواهر"٤.

وهذا القانون قد جعله المتكلمون قانوناً كلياً فيما يستدل به من كتب الله تعالى وكلام أنبيائه ـ عليهم السلام ـ وما لا يستدل به، وردوا به نصوص الصفات التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله ٥. وأصبح العقل هو الأصل فيما يثبت من صفات الله تعالى وما لا يثبت.

وقد بني هذا القانون ـ كما يظهر من نصه السابق ـ على افتراضات ومقدمات جدلية: ثلاثة: وهي:


١ انظر: د. محمد يوسف موسى: بين الدين والفلسفة (ص: ١١١) ، وابن القيم: الصواعق (١/ ١٩٧) .
٢ القانون: أمر كلي منطبق على جميع جزئياته التي يتعرف أحكامها منه. التعريفات (ص: ١٤٩)
٣ ابن تيمية: درء التعارض (١/ ٥) وسيأتي تعريف التأويل قريباً.
٤ الرازي: أساس التقديس (ص: ١٧٢) ، والمحصل (ص: ٣١)
٥ انظر: ابن تيمية: درء التعارض (١/ ٥)

<<  <   >  >>