للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ١ فأخبر تعالى أنه أنزله ليعقلوه ٢.

وأيضاً فالسلف من الصحابة والتابعين وسائر الأمة قد تكلموا في جميع نصوص القرآن ـ الصفات وغيرها ـ وفسروها بما يوافق دلالتها ٣.

فليس في القرآن شيء لا يعلم معناه. ولما سئل مالك رحمه الله عن الاستواء، لم يقل: الاستواء متشابه أو مجهول، بل قال: الاستواء منه غير مجهول. يعني أنه معلوم المعنى، وقال: الكيف غير معقول. يعني الكيفية ٤.

والذي استأثر الله بعلمه في الآية ليس علم المعنى ولكن علم التأويل وفرق بين المعنى والتأويل.

وقد فرق الله في القرآن بين هذين المعنيين، قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} ٥، فقد أخبر الله في هذه الآية أنه فصّل الكتاب، أي بينه وميزه بحيث لا يشتبه. ثم قال: هل ينتظرون إلا تأويله: وإنما ذلك مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها فمع علم معناه وتفصيله لم يعلم تأويله، فعلم أن فرقاً بين علم المعنى وعلم التأويل ٦.

ومثل هذا أيضاً قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} ٧ ففرق بين الإحاطة بعلمه وبين إتيان تأويله، ومفهومه أنه يمكن أن


١ سورة يوسف، الآية (١ـ ٢)
٢ ابن تيمية: الإكليل (ص: ٤٧)
٣ المصدر نفسه (ص: ٤٨) ، والصواعق (١/ ١٠٠ ـ ١٠١)
٤ انظر: اللالكائي: شرح أصول أهل السنة (٣/ ٤٤١) ، وانظر: ابن تيمية: الإكليل (ص: ٥٠)
٥ سورة الأعراف، الآية (٥٢ـ ٥٣)
٦ ابن تيمية: الإكليل (ص: ١٢)
٧ سورة يونس، الآية (٣٩)

<<  <   >  >>