للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو المراد من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} على القول بأن اللام للغاية، وهو لا يقتضي حصوله لكل فرد منهم ... "١.

ويبين الشيخ رشيد أهمية هذا التوحيد، وأثره في النفس فيقول: "إن عقيدة التوحيد القرآني هي أعلى المعارف التي ترقي الإنسان إلى أعلى ما خلق مستعدا من الكمال الروحي والعقلي والمدني، وقد صرح كثير من العلماء الإفرنج بأن سهولة فهم هذه العقيدة وموافقتها للعقل والفطرة هما السبب الأكبر لقبول الأمم لها ... قد كان توحيد المسلمين الأولين لله ومعرفتهم به وحبهم له وتوكلهم عليه هو الذي أزكى أنفسهم وأعلى هممهم وكمّلهم بعزة النفس وشدة البأس وإقامة الحق والعدل، ومكنهم من فتح البلاد وسياسة الأمم ... "٢.

ولكن –ومع الأسى أيضا – إن وضوح هذه العقيدة وسهولتها قد طمسته فلسفة المتكلمين حتى في معاهد التعليم الكبرى، يقول الشيخ رشيد: "أليس من البلاء أن يكون فساد التعليم الإسلامي قد أفضى بالمسلمين إلى إخفاء عقيدة التوحيد بالإعراض في بيانها عن آيات القرآن النيرة الواضحة إلى اصطلاحات علماء الكلام المعقدة؟ ... "٣. ويضرب الشيخ رشيد مثالاً على ذلك بتفسير التوحيد بأنه نفي الكموم الخمس: الكم المتصل، والكم المنفصل في صفاته تعالى، والكم المنفصل في أفعاله ... ثم يقول: "إن هذه الكموم الخمسة فلسفة كلامية ما أنزل الله بها في كتابه من سلطان ... "٤.


١ تفسير المنار (٩/١٠٨) وقارن مع ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٦/٤٠-٤١) وانظر: عبد الرحمن بن حسن: فتح المجيد (ص:١٩-٢٠) ط. دار الكر، ١٤٠٩هـ، ت: حامد الفقي.
٢ الوحي المحمدي (ص:١٧٤) .
٣ مجلة المنار (٣٣/١٢٤) .
٤ المصدر نفسه والصفحة. والكم هو المقدار، وهو ما قبل القياس. وقال: إنه عرض يقبل لذاته القسمة والمساواة واللامساواة والزيادة النقصان، وهو: إما متصل، وإما منفصل. فالمتصل هو: الذي يوجد لأجزائه بالقوة حد مشترك تتلاقى عنده وتتحدد به كالنقطة للخط، والمنفصل هو: الذي لا يوجد لأجزائه بالقوة ولا بالفعل حد مشترك، كالعدد، فإنك إذا انتقلت من عدد إلى آخر يليه لم تجد بينهما حداً مشتركاً، بخلاف النقطة في الخط فإنها مشتركة بين قسميه. انظر: جميل صليبا: المعجم الفلسفي (ص:٢٤٠/٢٤١) .

<<  <   >  >>