للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ١ فكان كل رسول يبدأ دعوته بقوله: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وذلك أن جميع تلك الأمم كانت تؤمن بأن الله خالق الخلق وهو ربهم ومدبر أمورهم، وإنما كان كفرهم الأعظم بعبادة غير الله تعالى بالدعاء الذي هو ركن العبادة الأعظم في وجدان جميع البشر، وبغير الدعاء والاستعانة من العبادات العرفية كالتقرب إلى المعبود بالنذور وذبح القرابين أو الطواف أو التمسح به ... لما كانوا كذلك احتج على دعوتهم إلى توحيد الله تعالى بالتعبير بلفظ "رب" مضافا إليهم فقالوا: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} ... يعني: إذا كان ربكم هو الذي خلقكم وخلق من قبلكم ... فيجب أن تعبدوه وحده ولا تشركوا بعبادته أحداً ... "٢.

ويقول أيضا: "وأما تكرار توحيد الربوبية –وهو انفراده تعالى بالخلق والتقدير والتدبير، فليس لإقناع المشركين بربوبيته تعالى فقط – بل أكثره لإقامة الحجة على بطلان شرك العبادة ... "٣.

وما ذهب إليه الشيخ هو الحق، فتوحيد الربوبية هو الذي اتفقت عليه الخلائق مؤمنها وكافرها، وتوحيد الألوهية مفرق الطرق بين المؤمنين والمشركين ولهذا كانت كلمة الإسلام "لا إله إلا الله" فتوحيد الإلهية هو المطلوب من العباد، وأما المشركون فكانوا مقرين بربوبية الله تعالى، لذلك احتج عليهم بها دائما كما في قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ، أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} ٤.

وعموماً: فهو تعالى يحتج على منكري الإلهية بإثباتهم الربوبية٥.


١ سورة النحل، الآية (٣٦) .
٢ تفسير المنار (١/١٨٤) .
٣ الوحي المحمدي (ص: ١٧٠) .
٤ سورة النمل، الآية (٥٩-٦٠) .
٥ انظر: المقريزي: تجريد التوحيد (ص: ٨ و٩) .

<<  <   >  >>