للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبحانه على كل شيء قدير، وما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه وتعالى، لا خالق غيره ولا رب سواه، لا فرق في ذلك بين أفعال العباد وغيرها، قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ١ وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ٢، والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم. فهذه الدرجة تشتمل على مرتبتين: الإرادة والمشيئة، والخلق والتكوين ٣. وأفعال العباد داخلة ـ كما هو ظاهر ـ في المرتبة الرابعة، فالله تعالى خالق أفعال العباد، والعباد فاعلون حقيقة. وعلى هذا الاعتقاد كان إجماع السلف ٤.

والدرجة الأولى في الإيمان بالقدر ـ العلم والكتابة ـ قد كان ينكره غلاة القدرية قديماً ـ وهم الذين حكم السلف بكفرهم ـ ٥ ومنكروه اليوم قليل ٦. والدرجة الثانية: الإرادة والخلق، هي التي يكذب بها عامة القدرية، مجوس هذه الأمة، فيقولون إن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم، والله تعالى لا يخلقها، ولا يريد منهم إلا الطاعة، فتغلب إرادتهم إرادته ٧. ويحسن الآن أن نعرض لأقوال الفرق في القدر:


١ سورة التكوير، الآية (٢٨ ـ٢٩)
٢ سورة الصافات، الآية (٩٦)
٣ انظر لتقرير هذا المعنى: ابن تيمية: العقيدة الواسطية [ضمن مجموع الفتاوى: ٣/ ١٤٨ ـ ١٤٩] ، وانظر أيضاً: مجموع الفتاوى (٨/ ٦٣ ـ ٦٤)
٤ انظر: ابن أبي عاصم: السنة (١/ ٥٥) وما بعدها، وعبد الله بن أحمد: السنة (٢/ ٣٨٥) وما بعدها، واللالكائي: شرح أصول أهل السنة (٣/ ٥٨٩) ، وابن منده: الإيمان (١/ ١٣٦) وما بعدها، وابن بظة: الإبانة: القدر (١/ ٢٣٥) وما بعدها، وابن تيمية: مجموع الفتاوى (٨/ ٦٦ و٧٨ و٣/ ١١٢) وما بعدها، وابن القيم: شفاء العليل (ص: ١١١) وما بعدها ط. دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، ١٤٠٧هـ.
٥ انظر: ابن تيمية: الواسطية [ضمن مجموع الفتاوى] (٣/ ١٤٩) ، والإيمان: (ص: ٣٦٤) ظ. المكتب الإسلامي، وعبد الله بن أحمد: السنة (٢/ ٣٨٥)
٦ ابن تيمية الواسطية [ضمن مجموع الفتاوى] (٣/ ١٤٩)
٧ انظر: ابن تيمية: المصدر السابق (٣/ ١٥٠) ، وابن القيم: شفاء العليل (ص: ٨٠)

<<  <   >  >>