للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} ١، فقد هداهم تعالى هدى البيان والدلالة فلم يهتدوا فأضلهم عقوبة لهم على ترك الاهتداء، وهذا شأنه سبحانه في كل من أنعم عليه بنعمة فكفرها ٢. وأما المرتبة الثالثة، فيشير إليها قوله تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} ٣ وقوله تعالى: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ٤ وهذه المرتبة هي التي أنكرتها المعتزلة ٥.

ويقرر الشيخ رشيد ـ رحمه الله ـ كأهل السنة ـ وكما صرحت آيات الكتاب العزيز ـ أن الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

قال الله تعالى:

{مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ٦.

قال الشيخ رشيد: "أي من تعلقت مشيئة الله بإضلاله يضلله، ... وإنما إضلاله إياهم اقتضاء سنته في عقول البشر وغرائزهم وأخلاقهم أن يعرض المستكبر عن دعوة من يراه دونه، واتباع من يراه مثله، وإن ظهر له أن الحق معه، وأن يعرض المقلد عن النظر في الآيات والدلائل التي تنصب لبيان بطلان تقاليده وإثبات خلافها ... وليس معنى ذلك أن يخلق الله الضلال لمن شاء إضلاله خلقاً، ويجعله له غريزة وطبعاً، ولا أن يلجئه إليه إلجاءً، ويكرهه عليه إكراهاً ... {وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي ومن يشأ هدايته واستقامته يجعله على طريق مستقيم، وهو طريق الحق الذي لا يضل سالكه ولا ينجو تاركه، بأن يوفقه لاستعمال سمعه وبصره وعقله في آيات الله المنزلة وآياته المكونة ... " ٧.


١ سورة التوبة، الآية (١١٥)
٢ ابن القيم: الشفاء (ص: ١٤٠)
٣ سورة الإسراء، الآية (٩٧)
٤ سورة الأنعام، الآية (٣٩)
٥ انظر: عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة (ص: ٣٥٧) ، وانظر: ابن القيم: الشفاء (ص: ١٤١)
٦ سورة الأنعام، الآية (٣٩)
٧ تفسير المنار (٧/ ٤٠٢ ـ ٤٠٣)

<<  <   >  >>