للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهم تقيّ، والثاني كافر، والثالث مات صبياً؟ فقال أبو علي: أما الأول ففي الجنة، والثاني ففي النار، والصبي فمن أهل السلامة. قال الأشعري: فإن أراد أن يصعد إلى أخيه؟ قال: لا؛ لأنه يقال له: إن أخاك إنما وصل إلى هناك بعمله. قال: (يعني الأشعري) : فإن قال الصغير: ما التقصير مني، فإنك ما أبقيتني، ولا أقدرتني على الطاعة. قال: يقول الله له: كنت أعمل أنك لو بقيت لعصيت، ولاستحققت العذاب، فراعيت مصلحتك. قال: فلو قال الأخ الأكبر: يا رب كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلمَ راعيت مصلحته دوني؟ فانقطع الجبائي ١. قال ابن القيم معلقاً على هذه المناظرة: "فلعمر الله إنها مبطلة لطريقة أهل البدع من المعتزلة والقدرية الذين يوجبون على ربهم مراعاة الأصلح لكل عبد وهو الأصلح عندهم، فيشرعون له شريعة بعقولهم، ويحجرون عليه، ويحرمون عليه أن يخرج عنها ... والمقصود أن هذه المناظرة وإن أبظلت قول هؤلاء وزلزلت قواعدهم فإنها لا تبطل حكمة الله التي اختص بها دون خلقه ... " ٢.

أما موقف رشيد رضا فأبينه مبتدئاً ببيان موقفه من طريق المتكلمين في هذه المسألة ـ وغيرها ـ إذ يقول: "إن نظريات متكلمي المعتزلة والجهمية والأشاعرة في مثل هذه المسألة، ونظريات من سبقهم إلى ابتداع الكلام مخالفة لما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم ومن تبعهم من علماء الأمصار ... فلم يكونوا جبرية ولا قدرية، ولا منكرين لشيء مما وصف الله تعالى به نفسه ... ولم يبن أحد منهم عقيدته على استحالة المتسلسل والحوادث التي لا أول لها، ولا على إنكار حسن الأشياء وقبحها في نفسها، أو إنكار امتناع التكليف بما لا حسن فيه لذاته عند العقل ... " ٣.

وفيما يتعلق بالمسألة نفسها يرى رشيد رضا أنه تعالى لا يجب عليه


١ انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء (١٤/ ١٨٤) ، والسبكي: طبقات الشافعية (٣/ ٣٥٦) ، وابن القيم: شفاء العليل (ص: ٤٤٠) ، ومفتاح دار السعادة (ص: ٦٢) ، والبغدادي: أصول الدين (ص: ١٥١)
٢ شفاء العليل (ص: ٤٤٠ ـ ٤٤١)
٣ تفسير المنار (٨/ ٥٠)

<<  <   >  >>