للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يستجب لهم من الناس إلا أفذاذ أو أفراد، ثم ذهبت معهم دعوتهم، فاتخذت لنفسها مكاناً معهم في أجداثهم، فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً؟.

وأين علوم الأنبياء من علوم الحكماء؟ لقد أتى الأنبياء بعلوم وحقائق مات بحسرتها الفلاسفة، وما بلغوا شيئاً منها، وما أتوا إلا بجهالات وسفسطات. يقول الشيخ رشيد: " ... فمن أعظم مزايا الوحي الدينية على العلمية الكسبية أن جميع طبقات المؤمنين بها يذعنون لها بالوازع النفسي التعبدي، فبذلك تكون عامة ثابتة لا مجال للخلاف والتفرق فيها، ما دام الفهم لها صحيحاً، والإيمان بها راسخاً، ولذلك نرى الشعوب التي ساء فهمها للدين وتزلزل إيمانها به أو زال، لا ينفعها من دونه علوم العلماء ولا حكمة الحكماء، وقد ارتقت العلوم والحكمة في هذا العصر، وعم انتشارها بما لم يعرف مثله في عصر آخر، وهم لا يذعنون في أنفسهم لإرادة ملك أو أمير، ولا لرأي عالم نحرير، ولا فيلسوف شهير، ولا مشرع خبير، بل صاروا إلى فوضى في الأخلاق والآداب والاجتماع، واستباحة الأموال والأعراض، وكذا الدماء لم يعهد لها في البشر نظير، صارت بها الأمم والدول عرضة لفتنة في الأرض وفساد كبير ... " ١.

وبهذا يبطل رشيد رضا كل الشبه التي قد توجه إلى عدم حاجة البشر إلى الوحي، ويثبت أن هذه الحاجة كانت شديدة، وأننا اليوم بحاجة إلى هداية الأنبياء ـ ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ـ فلا بد إذن من الرجوع إلى هديه والاهتداء برسالته، وهو ما ألف رشيد رضا كتابه "الوحي المحمدي" من أجله.


١ الوحي المحمدي (٥٥ـ ٥٦)

<<  <   >  >>