للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوحي في صحيح البخاري ١ ففيه صفة الوحي وكيف كان بدؤه ثم فتوره، وأثر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدفع شبهة التخيل والرؤى والوهمية ٢. ثم عقب ذلك بما يراه الشيخ: "أقوى دليلاً، وأقوم قيلاً، وهو موضوع الوحي الذي هو آية نبوته الخالدة، وحجته الناهضة، ومصدر جميع تلك الأنوار الفائقة، وهو آية الله الكبرى ـ القرآن العظيم" ٣، ووجه الشيخ رشيد الكلام هنا إلى هداية القرآن بأسلوبه وتأثيره وعلومه المصلحة للبشر، وهو القدر الذي يعلم منه أن هذه العلوم أهدى من كل ما حفظه التاريخ عن جميع الأنبياء والحكماء، وواضعي الشرائع والقوانين، فإعجازه من هذه الناحية أقوى البراهين على كونه وحياً من الله تعالى تقوم به الحجة على جميع البشر. "ومن كان لا يؤمن بوجود هذا الرب الحكيم فهذا القرآن حجة ناهضة على وجوده الحق، بكونه ليس من المعهود في الخلق، وبما اشتمل عليه من الآيات البينات في الأنفس والآفاق" ٤.

وأما ما وصفوا به الأنبياء، لا سيما نبينا ـ عليهم الصلاة والسلام، من صفاء النفس وحب الخير فهو حق، ولكنه استعداد فطري لا كسبي، فهو عبارة عن جعل الله تعالى روحه الكريمة كمرآة صقيلة حيل بينها وبين كل ما في العالم من التقاليد الدينية والأعمال الوراثية والعادات المنكرة ... " ٥.

وهذا هو حقيقة الاستعداد الفطري لتلقي الوحي، و {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ٦ وأما الحوادث التي احتج بها هؤلاء الماديين وزعموا أن الوحي النفسي لنبينا صلى الله عليه وسلم من جنسها، كقصة جان دارك ٧، فيرد عليها الشيخ


١ انظر: البخاري: ك: بدء الوحي، باب: ٣، ح: ٣ (١/ ٣٠) مع الفتح.
٢ الوحي المحمدي (ص: ١١١) وما بعدها.
٣ الوحي المحمدي (ص: ١٣٦)
٤ المصدر نفسه (ص:١٣٩)
٥ المصدر نفسه (ص: ١٣٣)
٦ سورة الأنعام، الآية (١٢٤)
٧ هي فتاة فرنسية ريفية، كثيرة التخيل، كانت تحلم بتحرير فرنسا من أعدائها ثم خيل لها أنها دعيت لتخلص بلادها، وتوسلت إلى الحكام فعينوها قائداً للجيش وحاربت معهم فانتصرت ومعها عشرة آلاف جندي، ثم زال ما بها من الخيال فهوجمت من السنة التالية فهزمت وانكسرت. انظر: المعلم بطرس البستاني: دائرة المعارف (٦/٣٦٠ ـ ٣٦٢) مطبعة المعارف، بيروت، ١٨٨٢، ومحمد فريد وجدي: دائرة معارف القرن العشرين (٣/ ١٣ ـ ٢٠) ط. الثالثة، ١٩٧١، دار المعرفة، بيروت.

<<  <   >  >>