للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيما يتعلق بهذه الصفة ـ أعني البشرية ـ فقد افترق الناس ثلاث فرق: طرفان ووسط، فأحد الطرفين هو الذي غلا في الأنبياء عليهم السلام، فأفرط في تصوير خصوصيتهم، فرفعهم فوق جنس البشر، وجعل لهم صفات الإلهية والربوبية ١. وآخرون ـ وقفوا في الطرف الآخرـ وجعلوا هذه الصفة مانعة من النبوة، فلم يروا مزية لهؤلاء الرسل، إذ رأوهم بشراً وظنوا أن الوحي يخرجهم منها ويجعلهم كالملائكة ٢. وإنما أنزل الله الوحي على البشر "لاقتضاء حكمته أن يكونوا معلمين لسائر البشر ما فيه هدايتهم ... " ٣. و "كون الرسول إلى البشر بشراً مثلهم يفهمون أقواله ويتأسون بأفعاله هو المعقول الذي تقتضيه الفطرة وطبيعة الاجتماع" ٤.

ومقتضى بشرية الرسل أنهم "كسائر البشر في سنن الله تعالى فيهم إلا أنه ميزهم بالوحي وعصمهم من الخطأ في تبليغ ما أمرهم بتبليغه قولاً وعملاً ... " ٥.

ومن صفات الرسل أيضاً أنهم رجال، وكما يقول رشيد رضا، فإن النبوة حصرت في الرجال دون النساء، وهو ما يدل عليه ظاهر آيات القرآن، كما أنها حصرت في ذرية نوح وإبراهيم عليهما السلام ٦.

وكون الرسل من البشر يبطل "ما سرى إلى المسلمين من أهل الوثنية والكتب المحرفة من الغلو في الأنبياء والصالحين، كزعمهم أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في خزائن ملك الله تعالى بالعطاء والمنع، والضر والنفع، وإلحاقهم بالملائكة من عالم الغيب، حتى صاروا يطلبون ما لا يطلب إلا من الله تعالى، وهذا عين العبادة التي يسمى الذين توجه إليهم آلهة ... " ٧.


١ المصدر نفسه (٨/ ٢٧٨)
٢ المصدر نفسه (٨/ ٢٧٩)
٣ المصدر نفسه (٨/ ٢٧٨)
٤ تفسير المنار (٨/ ٢٧٨)
٥ المصدر نفسه (٨/ ٢٧٦)
٦ المصدر نفسه (٨/ ١٠٦)
٧ المصدر نفسه (٨/ ٢٧٨)

<<  <   >  >>