للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتواتر الأحاديث في هذا مروي عن عدد من المحدثين ١ وهم المرجع في ذلك "وأنه قد يتواتر عند أهل العلم بالشيء ما لا يتواتر عند غيرهم، وأهل العلم بالحديث أخص الناس بمعرفة ما جاء به الرسول ومعرفة أقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فإليهم المرجع في هذا الباب، لا إلى من هو أجنبي عن معرفته ... " ٢.

وأما خفاء هذا الحادث على جميع الأقطار فهي شبهة واهية لأن "الأمر في هذا خارج عما ذهبوا إله من قياس الأمور النادرة الغريبة إذا ظهرت لعامة الناس ... وذلك أن هذا شيء طلبه قوم خاص من أهل مكة على ما رواه أنس بن مالك فأراهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ليلاً لأن القمر آية الليل ولا سلطان له بالنهار، وأكثر الناس في الليل تنام ومستكنون بأبنية وحجب والأيقاظ البارزون منهم في البوادي والصحاري قد يتفق أن يكونوا في ذلك الوقت مشاغيل بما يلهيهم من سمر وحديث ... وكثيراً ما يقع للقمر كسوف فلا يشعر به الناس حتى يخبرهم الآحاد منهم، والأفراد من جماعتهم ... ولو أحب الله أن تكون معجزات نبيه عليه السلام أموراً واقعة تحت الحس قائمة للعيان حتى يشترك في معاينته الخاصة والعامة لفعل ذلك، ولكنه سبحانه قد جرت سننه بالهلاك والاستئصال في كل أمة أتاها نبيها بآية عامة يدركها الحس فلم يؤمنوا بها، وخص هذه الأمة بالرحمة فجعل آية نبيها التي دعاهم إليها وتحداهم بها عقلية، وذلك لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الأفهام، ولئلا يهلكوا فيكون سبيلهم سبيل من هلك من سائر الأمم المسخوط عليهم المقطوع دابرهم، قلم يبق لهم عين ولا أثر، والحمد لله على لطفه بنا ... " ٣. ويؤيد هذا قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} ٤، فهذه الأمة مرحومة


١ انظر: ابن حجر: فتح الباري (٦/ ٧٣٠) ، وحاشية (٦) (ص:٧١٦)
٢ ابن تيمية درء التعارض (٧/ ٣٢)
٣ الخطابي: أعلام الحديث (٣/ ١٦١٨ ـ ١٦٢٠) ، وانظر أيضاً: ابن تيمية: الجواب الصحيح (٦/ ٤٤٧ ـ ٤٥١) ، وانظر أيضاً: عياض: الشفا (ص: ٢١٥)
٤ سورة الأنفال، الآية (٣٣)

<<  <   >  >>