للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يبقون بشراً أولي أرواح وأجساد، ولكن الروحانية تكون هي الغالبة على أهل الجنة، فيكون النعيم الروحاني عندهم هو أعلى من النعيم الجسماني ... " ١.

ويقرر الشيخ رشيد أن أعلى نعيم أهل الجنة لقاء الله تعالى بتجليه عليهم تجلياً يحصل لهم به أعلى ما استعدت له أنفسهم وأرواحهم من المعرفة، كما أن أعظم عقاب لأهل النار حجبهم عن ربهم وحرمانهم من هذا التجلي والعرفان، الخاص بدار الكرامة والرضوان ٢، ويقرر أن هذه هي الرؤية التي أثبتها أهل الأثر "لدلالة ظواهر القرآن ونصوص الأحاديث عليها، ومنعوا قياس رؤية الباري تعالى على رؤية المخلوقات بدعوى استلزامها التحيز والحدود وغير ذلك من صفات الأجسام، وقالوا: إننا لا نبحث في كيفية ذاته ولا صفاته تعالى، فإننا نجزم بأن له علماً وقدرة وسمعاً وبصراً، ولكن علمه ليس كعلمنا ناشئاً عن انطباع صور المعلومات في النفس ومكتسباً لها بالحواس أو الفكر، وكذلك قدرته وسائر صفاته، فنحن نجمع بين الإيمان بالنصوص في أسماء الله وصفاته، وأفعاله وسائر شؤونه، وبين تنزيهه عما لا يليق به من مشابهة خلقه الممنوعة بدلائل النقل والعقل كما قال عزوجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ٣ ثم أشار إلى أن الذين نفوا الرؤية هم: "أهل الكلام والفلسفة بناءً على قياس الخالق سبحانه وتعالى على المخلوق ودعوة منافاة الرؤية للتنزيه ٤.

وعلى خلاف مذهب الفلاسفة الذين يكذبون باليوم الآخر وبالجنة والنار ويدعون عدم حقيقة ذلك ٥، وكذلك خلافاً لأهل الكتاب الذين


١ المصدر نفسه (١٩/ ٢٨٢)
٢ المصدر نفسه (١٩/ ٢٨٣)
٣ سورة الشورى، الآية (١١)
٤ مجلة المنار (١٩/ ٢٨٣) وقد سبق بحث مسألة الرؤية في الباب الأول من هذا البحث، الفصل الثالث (ص:٣٩٥) بشيء من التفصيل.
٥ انظر: سليمان دنيا: مقدمة حاشية محمد عبده على الدواني (ص: ١٧ ـ ١٨)

<<  <   >  >>