ثالثاً: كانت النشأة العلمية لرشيد رضا ضعيفة بسبب الحالة العلمية التي مرت بها الشام آنذاك، إذ لم تكن هناك مدارس عربية لتعليم العلوم الدينية، مما دفع رشيد رضا وغيره إلى الاعتماد على العلماء في التلقي، ولم يكن هؤلاء جميعاً في درجة واحدة من العلم، على أنهم لم يتجاوزوا أصابع اليد الواحدة، وكانت نتيجة ذلك وقوع رشيد رضا في أخطاء واضحة ولا سيما بعد خلافته لمحمد عبده في زعامة المدرسة الإصلاحية، ومواجهته لقضايا هامة ومسائل معقدة.
رابعاً: كانت مرحلة رشيد رضا في الشام مرحلة غلب عليه فيها التصوف، كما غلب عليه طابع المتكلمين، فرغم مشاركته في كثير من العلوم إلا أن السمة الغالبة عليه ـ كما على غيره من طلبة العلم على طريقة الأزهريين ـ هي طابع المتكلمين، وعندما هاجر إلى مصر ولقي محمد عبده وكان رجلاً متأثر بالفلسفة القديمة التي أشربها من كتاب الإشارات لابن سينا حيث شرحه له الأفغاني، والفلسفة الحديثة التي أخذها أثناء وجوده في فرنسا. كان رشيد رضا قد خرج من حفرة صغيرة فوقع في هوة سحيقة.
خامساً: لم يلبث رشيد رضا أن تعرف على منهج السلف بطريق الكتب السلفية التي كانت تطبع في مصر في مطبعة بولاق وغيرها، ومنها كتابات ابن تيمية وأئمة دعوة التوحيد بنجد الذين أتوا مصر واستقروا فيها قبل ذلك. ومن هنا تحول رشيد رضا واطمأن بمذهب السلف الصالح، وكان تحوله هذا تدريجياً وزادت درجته بعد وفاة محمد عبده واستقلال رشيد رضا بالعمل.
سادساً: اعتمد رشيد رضا على مصادر التلقي عند أهل السنة وهي الكتاب والسنة والإجماع، كما أنه اعتمد في فهمه هذه المصادر على تلك القواعد التي أقرها السلف الصالح، كما أنه ـ في مرحلته الأخيرة ـ قد وضع العقل في موضعه وأعطى الفطرة حقها. إلا أنني قد أخذت على رشيد رضا بعض المآخذ في مسألة نسخ التلاوة، كما أنني بينت موقفه السلبي من السنة الذي خالف فيه ما كان عليه السلف وأجبت هناك ـ قدر الإمكان ـ على ما