للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: "تخطئون" بضم التاء، وسكون الخاء المعجمة، وكسر الطاء المشالة، هذه هي الرواية المشهورة. وروي بفتح أوله، وثالثه. والخطأ يطلق على معان، قال الراغب في مفرداته: الخطأ: العدول عن الجهة، وذلك أضرب؛ أحدها: أن يريد غير ما تحسن إرادته، فيفعله، وهذا هو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان، يقال: خطئ يخطأ، خطأً، وخطاءة -أي: بكسر الأول فيهما- والثاني: أن يريد ما يحسن فعله، ولكن يقع منه خلاف ما يريد، فيقال: أخطأ إخطاء، فهو مخطئ، وهذا قد أصاب في الإرادة، وأخطأ في الفعل. والثالث: أن يريد ما لا يحسن فعله، ويتفق منه خلافه، فهذا مخطئ في الإرادة، ومصيب في الفعل، فهو مذموم بقصده، وغير محمود على فعله.

وجملة الأمر: أن من أراد شيئًا، فاتفق منه غيره، يقال: أخطأ، وإن وقع منه كما أراده؛ يقال: أصاب. وقد يقال لمن فعل فعلًا لا يحسن، أو أراد إرادة لا تجعل: أنه أخطأ؛ ولهذا يقال: أصاب الخطأ، وأخطأ الصواب، وأصاب الصواب، وأخطأ الخطأ، وهذه اللفظة مشتركة كما ترى، مترددة بين معان يجب لمن يتحرى الحقائق أن يتأملها. انتهى بنوع تصرف.

وقوله: "بالليل والنهار": أن في ساعاتهما، وأوقاتهما، وقدم الليل على النهار؛ لأن الليل ظلمة، وهي الأصل، والنور طارئ عليها يسترها، ولأن المقام يقتضي تقديمه؛ إذا أكثر المعاصي والآثام تعمل في الليل. والاستغفار من الذنوب: طلب تقديمه؛ إذا أكثر المعاصي والآثام تعمل في الليل. والاستغفار من الذنوب: طلب المغفرة، والعبد أحوج شيء إليه لما تقدم. وقد جاء في القرآن الحكيم ذكر الاستغفار، والتوبة، والأمر بهما، والحث عليهما في غير آية، فلا حاجة إلى إيرادها خوف الإطالة. وأما من الحديث النبوي، فلا مانع من ذكر نبذة من ذلك.

روي الترمذي، وابن ماجه من حديث أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" ١ وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله إني لأستغفر الله، وأتوب إليه كل يوم مئة مرة" ٢ وأخرج أيضًا من حديث الأغرِّ المزني


١ رواه الترمذي رقم"٢٥٠١"، والدارمي"٢/ ٣٠٣"، وابن ماجه رقم" ٢٤٥١"من حديث أنس رضي الله عنه وإسناده حسن.
٢ رواه الترمذي رقم"٣٢٥٥"في التفسير من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: وهو حديث صحيح. وليس في البخاري كما أشار المؤلف.

<<  <   >  >>