زيادةً في تشريفهم، وتعظيمهم، ولذا أضافهم إلى نفسه جل شأنه. قال الإمام العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية في شرحه: فينقضي أصلين عظيمين: وجوب التوكل على الله في الرزق المتضمن جلب المنفعة كالطعام، ودفع المضرة كاللباس. وأنه لا يقدر غير الله على الإطعام والكسوة قدر مطلقة، وإنما القدرة التي تحصل لبعض العباد تكون على بعض أسباب ذلك ولهذا قال:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: ٢٣٣] وقال: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ}[النساء: ٥] فالمأمور به هو المقدور لعباد. وكذلك قوله:{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}[البلد: ١٤- ١٦] وقوله: {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}[الحج: ٣٦] وقوله: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}[الحج: ٢٨] وقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ}[يس: ٤٧] فذمَّ من يترك المأمور به اكتفاءً بما يجري به القدر. ومن هنا يعرف: أن السبب المأمور به، أو المباح لا ينافي وجوب التوكل على الله في وجود السبب: بل الحاجة والفقر إلى الله ثابتة مع فعل السبب؛ إذ ليس في المخلوقات ما هو وحده سبب تام لحصول المطلوب، ولهذا لا يجب أن تقترن الحوادث بما قد يجعل سببًا إلا بمشيئة الله تعالى؛ فإنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فمن ظن الاستغناء بالسبب عن التوكل؛ فقد ترك ما أوجب الله عليه من التوكل، وأخل بواجب التوحيد، ولهذا يُخذل أمثال هؤلاء إذا اعتمدوا على الأسباب، فمن رجا نصرًا، أو رزقاً من غير الله خذله الله، كما قال علي رضي الله عنه: لا يرجونَّ عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، وقد قال تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[فاطر: ٢] إلخ ما قال؛ يعني: أن الله جل ذكره خلق الخلق كلهم ذوي فقر إلى الطعام، فكل طاعم كان جائعًا حتى يطعمه الله، يسوق الرزق إليه، وتصحيح الآلات التي هيأها له، فلا يظن ذو الثروة: أن الرزق الذي في يده وقد رفعه إلى فيه أطعمه إياه أحد غير الله تعالى. وفيه أيضًا: أدب الفقراء، كأنه قال: لا تطلبوا الطعام من غيري فإن هؤلاء الذين تطلبون منهم أنا الذي أطعمهم، فاستطموني أطعمكم، وكذلك ما بعده أفاده الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد١ في شرحه، والله أعلم.
١ تقي الدين بن دقيق العيد: هو الإمام محمد بن علي بن وهب ولد في شعبان سنة "٦٢٥"هـ بناحية "ينبع" على البحر الأحمر. قال ابن سيد الناس: لم أر مثله فيمن رأيت، ولا حملت عن أجل منه، توفي رحمه الله سنة"٧٠٢"هـ.