للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تصادم الشرع الشريف، فإن كل بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. كما أخبر بذلك شفيع المذنبين من النار، فينبت فيه شجر التصديق، والإيقان بما جاء به سيد ولد عدنان من أصول الدين، وفروعه، فينمو بأغصان الطاعات في كل حين، ووقت، ثم يثمر بثمار المشاهدة والتجليات، وعلم اليقين، فيرى الحق حقًا فيتبعه، ويرى الباطل باطلًا فيجتنبه، وهذا لا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة ... " ١ الحديث، فإن هذه ظلمة طارئة على الفطرة الأولى، كما يشير إليه ما روي: "خلق الله الخلق على معرفته، فاغتالتهم الشياطين" وقال ابن المبارك رضي الله عنه: يولد على ما يصير إليه من سعادة، أو شقاوة، فمن علم أنه يصير مسلمًا موحدًا؛ ولد على فطرة الإسلام، والتوحيد، ومن علم أنه يصير كافرًا جاحدًا نعماء ربه؛ ولد على فطرة الكفر. ويستدل ذلك بقوله تعالى، وهو أصدق القائلين: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن: ٢] . وقوله: "فاستهدوني أهدكم" أي: اطلبوا مني الهداية الموصلة إليَّ؛ مع أنه سبحانه يهدي من يشاء بحسن الرعاية، وجميل العناية إظهار الافتقار، والإشعار بأنه لا هداية قبل سؤاله إياه، فربما قال: إنما أوتيته على علم عندي، فيضل بذلك، ويشقى، فإذا سأل ربه الأمور الدنيوية، والأخروية،؛ فقد اعترف على نفسه بالعبودية، ولمولاه بالربوبية، وهذا مقام شريف، ومشهد لطيف، وفيه دليل لأهل السنة والجماعة على أن المتهدي من هداه الله تعالى، وبإرادته اهتدى من اهتدى لا بما سواه، وأن غير المهتدي لم يُرِد الله هدايته، فلم يهتد لذلك، ولو أرادها له لاهتدى؛ قال الله تعالى: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: ٣٥] وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: ٣٥] وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام: ١٠٧] وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: ١٢٥] وقال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: ١٧] إلى غير ذلك من الآي، والله أعلم.

وقوله في الحديث: "يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته" لما فرغ من الامتنان بالأمور الدينية شرع في الامتنان في الأمور الدنيوية، فقال: ... إلخ، وكرر النداء.


١ رواه أحمد في المسند"٢/ ٣٩٣"والبخاري رقم"١٣٥٩"في الجنائز، ورقم" ١٣٨٥و ٤٧٧٥ "ومسلم رقم"٢٦٥٨"، والترمذي رقم"٢١٣٨". وابن حبان رقم"١٢٨"من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <   >  >>