٨] أي: يحملنكم بغض قوم وهم الكفار على عدم العدل {عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة: ٨] وقال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤] وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى: ٤٠] وقال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}[النحل: ١٢٦] .
وقوله:"يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته" إلخ، بعد ما ذكر جل شأنه في أول الحديث ما أوجبه من العدل، وحرمه من الظلم على نفسه، وعلى عباده عمومًا عقب ذلك بذكر إحسانه إلى عباده، وإنعامه عليهم مع غناه عنهم، وفقرهم إليه، وأنهم لا يقدرون على جلب منفعة لأنفسهم، ولا دفع مضرة إلا أن يكون هو الميسر لذلك، وأمر عباده أن يسألوه ذلك، وأخبر أنهم لا يقدرون على نفعه، ولا ضره مع عظم ما يوصل إليهم من النعماء، ويدفع عنهم من البلاء، وجلب المنفعة ودفع المضرة إما أن يكونا في الدين، أو في الدنيا، فصارت أربعة أقسام: الهداية، والمغفرة، وهما جلب المنفعة. ودفع المضرة في الدين والكسوة، والطعام، وهما جلب المنفعة ودفع المضرة في الدنيا، وإن شئت قلت: الهداية، والمغفرة يتعلقان بالقلب الذي هو ملك البدن، وهو الأصل في الأعمال الإرادية. والطعام، والكسوة يتعلقان بالبدن؛ الطعام لجلب المنفعة، واللباس لدفع المضرة. وفتح الأمر بالهداية، فإنها وإن كانت الهداية النافعة هي المتعلقة بالدين، فكل أعمال الناس تابعة لهدي الله إياهم، والله أعلم، أفاده الإمام المجتهد ابن تيمية في شرحه مع بسط. وقوله:"كلكم ضال" أي: من شأنكم، وجبلتكم الضلالة كما روي:"أن الله خلق الخلق في ظلمة الطبيعة، فألقى عليهم من نوره ... إلخ" ١ أي: في ظلمة الطبيعة من الميل إلى الشهوات، والركون إلى المحسوسات، والغفلة عن أسرار عالم الغيب ومالك السموات، فألقى عليهم من نوره، أي: بسبب ما نصب لهم من الحجج النيرة، فمن أصابه من ذلك النور؛ اهتدى، ومن أخطأه؛ ظل عن الطريق المستقيم، وغوى.
فالناس خلقوا لا يهتدون إلى طريق الصواب والنهج السَّويِّ إلا بمرشدٍ، وهادٍ. فمن هداه الله يشرح صدره، وينور قلبه ويصفي استعداده عما ينافي قبول الحق والصراط المستقيم من ظلمات الشكوك: والشبه، واتِّباع الهوى، والعمل بالبدع التي
١ رواه أحمد في المسند"٢/ ١٧٦"ورقم"٦٦٤٤"مطولًا. والترمذي رقم "٢٦٤٤"وابن أبي عاصم في السنة"٢٤١". وابن حبان رقم"٦١٦٩"من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وهو حديث صحيح.