للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاءت دولة بني أمية فكان ضلعها مع البصرة التي ظاهرتها وناصرتها، والكوفة على تبرم وحنق مستجنين في قلبها بضغط الأمويين عليها، وفي الدولة قسوة ورجالها صرامة، ثم قامت الدولة العباسية على أنقاضها وكان مبدأ ظهورها في الكوفة، فإن أبا العباس السفاح أول خلفائها إنما تمت له البيعة فيها بفضل تشيعها ومظاهرتها للهاشميين، ولقد حفظ العباسيون لها تلك الصنيعة وعطفوا عليها وكافئوها، فانقلب الأمر في البلدين، وعزت الكوفة بعد ذل وأفل نجم البصرة بعد تألق {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} ١.

كل ذلك مما أوسع شقة الخلاف بين البلدين حتى تألب كل على الآخر وقلب له ظهر المجن، وفي كتاب "البلدان" لأبي عبد الله أحمد بن محمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه الشيء الكثير مما تراميا به من الأقوال وتباريا فيه من المفاخرات، نسوق هذا لتعرف متى ولد سبب الاختلاف الذي جرهما إلى تطاول بعضهما على بعض، وحبب إليهما إيثار المخالفة في المسائل العلمية على الموافقة فيها؟ إذ ما بدأت المنافسة العلمية النحوية بينهما إلا بعد أن عملت عوامل الخلاف عملها، ووضعت السدود الحصينة التي تحول دون الوفاق بينهما، وتسلطت الأثرة عليهما.

وكان ذلك كما سبق في أول الطور الثاني على عهد الخليل والرؤاسي بعد اجتماعهما أولا في الأخذ عن الطبقة الثانية البصرية، وبعد تكوين هذا الفن ونشوئه في البصرة.


١ سورة آل عمران، الآية: ١٤٠.

<<  <   >  >>