للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[النحو والنحاة في عصر المماليك]

وضح مما فات أن المماليك قبضوا على زمام المقاليد في القطرين، والعراق في الاحتضار والأندلس في سبيل الزوال، وأن علماءهما لم يلفوا أمامهم موطنا يعيشون فيه ويجدون مبتغاهم من الهدوء ونشر العلوم والإفادة والاستفادة إلا القطرين، لا سيما وقد عرف عنهما حرب العلماء وإكبارهم، وأن العلماء بدورهم قد رأوا إقفار البلاد من الكتب العربية، يقول السيوطي وهو من علماء هذا العهد: "وقد ذهب جل الكتب في الفتن الكائنة من التتار وغيرهم بحيث إن الكتب الموجودة الآن في اللغة من تصانيف المتقدمين والمتأخرين لا تجيء حمل جمل واحد"١.

وربما كان في هذا الكلام شيء من العلو إلا أنه أيا ما كان دليل على إحساسهم بالنقص والخسارة؛ وواجب الدين في أعناقهم يقضي عليهم بإحياء ما درس من علوم لغة الدين، وبينهم بعض المشارقة الذين فروا من وجه المغول والجم الغفير من المغاربة، والأندلسيين الذين وردوا القطرين من عهد بعيد، فهبت حركة طيبة في علومها وفي مقدمتها النحو.

وفي الإنصاف أن نقول إن عماد هذه الحركة التي كانت فيها إمساك للحوباء٢ إنما هم جالية الأندلس والمغرب الذين سلف ذكرهم، فإنهم لما ألبوا٣ بالقطرين واتخذوهما مقرا لهم بثوا علمهم وأذاعوا مصنفاتهم فيهما بين الناس، فتخرج عليهم تلاميذ كانوا كواكب العصور المتأخرة وصارت مصنفاتهم نبراسا لمن صنف بعدهم من العلماء، ويرجع السبب في ذلك إلى أن رحلاتهم إلى القطرين كانت بعيدة العهد وطالت أيامها فاختلطوا بالعلماء قبل حادثهم بزمن غير قريب، ولا كذلك المشارقة الذين بغتوا بحادثهم


١ المزهر النوع الأول، المسألة السادسة عشرة بعد الكلام على جمهرة ابن دريد.
٢ في القاموس: الحوباء: الناس.
٣ في القاموس: ألب: أقام.

<<  <   >  >>