ولأبي العباس "ثعلب" نادرة مروية أسوقها ختاما لهذا لكتاب، عسى أن تبعث في طالب النحو الرغبة الصادقة في الإقبال عليه والأخذ بمحاسنه، فإنه يحز في نفوسنا ما نراه من فتور همم الطلاب في هذا العلم الجليل، زعما منهم أن الغرض المنشود منه لا يتكافأ مع ما يعانونه في مسائله وخلافاته المذهبية والشخصية وما يتبع هذا، وقد عزب عنهم أنه سلم الفهوم وعلم العلوم، وفاتهم أن الطالب لا يتذوق فنا من الفنون ويسير فيه على هدى وبصيرة، إلا إذا كان آخذا من هذا العلم بطرف تلك النادرة هي ما حدث به أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المتوفى سنة ٣٢٤هـ، قال:
"كنت عند أبي العباس ثعلب فقال: يا أبا بكر اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا، واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ما يكون حالي في الآخرة؟ فانصرفت من عنده، فرأيت تلك الليلة النبي -صلى الله عليه وسلم-في المنام فقال لي: أقرئ أبا العباس عني السلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل.
قال الروذباري أحمد بن عطاء المتوفي سنة ٣٦٩هـ: أراد أن الكلام به يكمل والخطاب به يجمل، أو أراد أن جميع العلوم مفتقرة إليه"١.
حقا إن العلوم مفتقرة إليه في مسائلها، ومحتاجة إلى مراعاته في محاوراتها، وعلى قدر النبغ فيه يواتي الفوز بها والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكان إتمام هذا الكتاب في مساء يوم الخميس الموافق ١٠ من رمضان سنة ١٣٥٧هـ و٣ من نوفمبر سنة ١٩٣٨م بتوفيق الله ومعونته، فأنشد إعلانا
١ راجع هذه النادرة في ترجمة ثعلب في النزهة، والمعجم، والإنباه، والوفيات، والبغية.