للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[نشوء المذهب البغدادي على أيدي الجامعين بين النزعتين]

قد مر بك أن فترة من الزمن بعد تلاقي الفريقين في بغداد اختلف فيها اتجاهات العلماء إلى ثلاثة أنحاء، وقد تمايزت طوائفهم الثلاثة تبعا لاختلاف نزعاتهم، وكانت الطائفة الخالطة بين النزعتين البصرية والكوفية تزاول المذهبين وتنظر فيهما نظرة غير مشوبة بالعصبية، فهي لا بد واجدة رجحان هذا المذهب في مسائل وذلك المذهب في مسائل أخرى، وكان عمل هذه الطائفة منبها بعض معاصريهم إلى استقراء ما صح من القوانين النحوية دون التحيز إلى فريق دون آخر، فجر ذلك إلى الخلط بين المذهبين لاستخلاص مذهب منهما مرضي عليه عندهم.

ولقد اتسعت هذه الحركة ونمت فعالجها الكثيرون، حتى احتل مكانا بين المذهبين مذهب آخر جديد مؤلف من المذهبين بفروق قليلة، اشتهر ذلك المذهب بالبغدادي، إذ كانت أرض بغداد هي التي أقلته وسماؤها التي أظلته، ظهرت بواكيره في أخريات القرن الثالث الهجري على مرأى من المتنازعين من الفريقين في الدور الأخير من أدوار سجالهم، فجعل العلماء يأخذون من هذا المذهب مسألة ومن ذاك أخرى مثلا، وهكذا دواليك تبعا لما تترجح كفتها١ عند النظر، وما أهل القرن الرابع الهجرى حتى كثرت قواعد هذا المذهب الجديد وأيده النظار له، واشتهرت طائفة به، فقاسم المذهبين عملا ومزاولة، وشق له سبيلا معهما، وامتدت به الأيام قليلا، فحدث للنحو به عهد جديد، قضى أن يعتبر طورا آخر من أطواره.


١ الكفة: بفتح الكاف وكسرها وتجمع على كفف بالكسر.

<<  <   >  >>