للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: النحو والنحاة في الأندلس والمغرب]

إن بلاد الأندلس والمغرب في هذا الحين قد كثر فيهما علماء النحو الذين دوَّى ذكرهم في كتبه، لأنهم نشئوا بعد نضوجه واستكمال مذهبهم الخاص الذي تقدم شرحه وبعض مسائل منه، وقد خدموا هذا العلم بمصنفاتهم التي أعاضت النحو معظم ما فقده من كارثة بغداد الصماء لتوافر رغبتهم فيه وقدسية منزلته في نفوسهم، بل إن منهم من وقف بحثه ونشاطه عليه كابن عصفور وابن الضائع وغيرهما، فاكتسب النحو منهم قوة ساعدته على استطالة عمره بعد عوامل الفناء التي أصابته بإبادة كثير من كتبه وبفترة الخمول التي خيمت على علمائه من أعاصير اضطرابات المشرق وما تولد عنها مدة طويلة.

ولقد سبق لك أن النحو أوفى على الغاية في هذه البلاد هذا العصر "القرن السابع"، وكان عندهم شارة النبغ والفوق، وأن عنوان عرفانه وسمة الرسوخ فيه استظهار كتاب سيبويه، لأن له المكانة السُّمْيا عندهم، فمن لم يشتهر به فعلمه مطروح مهما حصل، ولذا كانوا يقولون عن أحمد بن عبد النور النحوي المعروف المتوفى سنة ٧٠٢هـ، إنه لا يعرف شيئا، ولا دهشة من هذا الحال عندهم لأن النهضة الأندلسية في النحو هبت مصاحبة الكتاب عندهم، فللكتاب اليد الطولي في كونها وإنمائها والابقاء عليها، ولها فضل إكبارهم منزلة الكتاب عندهم والاحتفاظ به كأنفس ذخيرة لديهم. هذا؛ وعند الاعتبار والتبصر يجب أن يدرك أن ذلك إيذان بأفول نجمه من هذه البلاد، وهذا ما حدث فإنه ما تم أمر إلا بدا في النقصان، فقد اتفق أن شب ضرام الاضطرابات في البلاد وقد استولى على ملك الأندلس بنو الأحمر الذين يؤثرون الأدب على النحو والناس على دين ملوكهم، فدعا ذانك الأمران علماء النحو في البلاد إلى الاستشراف إلى القطرين "مصر والشام" وصاروا ينزحون إليهما زرافات ووحدانا إلى أن بلغ الشر أناه، وتفرق ملوك بني الأحمر شيعا

<<  <   >  >>