علمت إجمالا أن واضعه من رجالات عصر الإسلام على ما تقدم بيانه، لكنهم اختلفوا واضطرب اختيارهم متقدمين ومتأخرين، كابن سلام في طبقات الشعراء، وابن قتيبة في المعارف، والزجاجي في الأمالي، وأبي الطيب اللغوي في مراتب النحويين، والسيرافي في أخبار النحويين البصريين، والزبيدي في الطبقات، وابن النديم في الفهرست، والأنباري في نزهة الألبا، والقفطي في إنباه الرواه، فيمن هو الواضع؟
على أن هذا الاختيار لا يعدو في الواقع أن يكون إما للإمام علي كرم الله وجهه، كما يرى الأنباري والقفطي، أو لأبي الأسود الدؤلي، كما يراه السابقون قبلهما، فأما عزو الوضع إلى نصر بن عاصم الليثي، أو عبد الرحمن بن هرمز فبمعزل عن الاختيار والتأييد، ولا أطيل الحديث بنقل كلام هؤلاء العلماء جميعا مكتفيا بنقل كلام الأنباري لأنه أعناهم بهذا المقام، وقد سرد معظم نقول السابقين عليه مع جودة الترتيب، فذكر مختاره أولا مع روايتين في سبب وضع علي كرم الله وجهه، ثم ذكر مختار غيره مع روايات أربع في سبب وضع أبي الأسود، ولعلك ذاكر ما "وجهنا" النظر إليه سابقا في سبب الوضع من أن الحق عدم الوقوف في سبب الوضع على أي قول عند سبب خاص، ثم فند القولين الأخيرين، ثم عاد مصرحا برجحان اختياره قال: "اعلم أيدك الله تعالى بالتوفيق وأرشدك إلى سواء الطريق أن أول من وضع علم العربية وأسس قواعده وحد حدوده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأخذ عنه أبو الأسود الدؤلي، وسبب وضع علي عليه السلام لهذا العلم ما روى أبو الأسود، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام- فوجدت في يده رقعة، فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: إني تأملت كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء يعني الأعاجم فأردت أن أضع شيئا يرجعون إليه ويعتمدون عليه، ثم ألقى إلي الرقعة وفيها مكتوب: الكلام اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبئ به والحرف ما أفاد معنى، وقال لي: انح هذا النحو