الفصل الأول: علم النحو في العراق وما يليه شرقا، وما يقرب منه غربا وعلماؤه
إن الغالبين على هذه البلاد وإن كانوا ممن لا يمتون إلى أصول عربية إلا أنهم كانوا على علوم اللغة العربية أحدب من الخلفاء قبلهم، فسخوا ببدر الأموال في رفع منارها ومكافأة المبرزين في علومها، بل لقد حبب إلى كثير من أولى الشأن فيهم مشاركة العلماء في هذا الشرف الأدبي فنالوا فيه مرتبة محمودة، ولم يفت جلهم الحرص على أن تتوج مؤلفات علمائهم بأسمائهم، فمن ذلك كتابا "الإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي" إذ صدرهما بالاهتداء لعضد الدولة البويهي ولهما حكاية طريفة سنذكرها في ترجمته، وما ذلك إلا لأنهم يرونه مما يزيد في أبهتهم ويكبرهم في عيون شعوبهم، ولم يك عصر الدولة السلجوقية بعد الدولة البويهية بالعراق أقل نصرا للنحو ولعلوم اللغة، فللمدرسة النظامية التي أنشأها في بغداد نظام الملك "أبو علي الحسن بن إسحاق بن العباس وزير السلطان ألب أرسلان وولده السلطان ملكشاه وقتل رحمة الله عليه سنة ٤٨٥هـ"١. الأثر الحسن في توجيه العلماء إلى التعليم فنبغ بفضلها عدد وفير من العلماء، وهي أول مدرسة بنيت ببغداد خاصة بالتدريس فكان قبلها في المساجد الجامعة وجعلت فيها الرواتب للمدرسين وللطلبة، وأجريت عليهم الجرايات، وسترى في تراجم العلماء أن منهم الأساتذة فيها وأن منهم من تلقى بها ثم رقي إلى الدراسة فيها، ولم تقصر
١ تراجم الوزير والسلطانين مستوفاه في وفيات الأعيان.