للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذات شوكة تعقد عليها الآمال سوى القطرين والأندلس في دور احتضارها الأخير، فناصروا اللغة العربية لأنها لغة الدين والشعب، ولم تحل جنسيتهم التركية والجركسية دون اعتمادها لسان الدولة الرسمي، وتحبيب علمائها إلى نشرها، ورفع لوائها ليستعيدوا مجد العراق في بلادهم.

وقد كان ذلك مستحكما في أدمغتهم حتى أن الظاهر بيبرس البندقداري استدعى أحد أولاد الخلفاء العباسيين الهاربين من أيدي التتر وعقد له بيعة الخلافة فألبسه تاجها بالقاهرة سنة ٦٥٨هـ ولقبه المستنصر بالله، واستمد منه سلطة الملك نائبا عنه ولما خرج الخليفة على رأس جيش لمحاربة التتر فقتل، بايع الظاهر بعده عباسيا آخر هو "أبو العباس أحمد" ولقبه الحاكم بأمر الله، وهو جد الخلفاء العباسيين بمصر.

وهكذا استمرت الخلافة العباسية في القاهرة مدة ولاية المماليك للقطرين، وإن كانت صورية، فقوي بالاعتزاز بها شأنهم، واشتدت شوكتهم، فاستطاعوا مقاومة "تيمورلنك" الذي حاول بعد فتوحاته إلى سورية أن يستحوذ على القطرين فأرسل إلى السلطان "قلاوون" وكان يضطغن عليه؛ لكن الله أنقذه من شره، وتغلب عليه في موقعة "حمص" فنجا القطران من الوقوع في يده.

مضت الحقبة الطويلة التي ولي فيها المماليك القطرين، وكأن الله أراد أن يعيد إلى المسلمين فيهما بعض ما رأوه في العراق إبان مجده الزاهي، فقامت القاهرة مقام بغداد؛ وكما ورثتها في الخلافة العباسية نابت عنها في النهوض بالثقافة العلمية، فلا غرو أن القطرين كانا آنئذ ملتقى علماء المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها.

وتوالت النهضة في القطرين إلى أن أدال الله لبني عثمان من المماليك، واستولى السلطان سليم على القطرين سنة ٩٢٣هـ، فضعفت النهضة وتغيرت الحال، وعلى هذا فينبغي الكلام على النحو وعلمائه في كل عصر من العصرين على حدة لاختلاف الشأن فيها.

<<  <   >  >>