حياة كلها هدوء واستقرار، يرفرف عليها جناح الأمن والسلام، وحياة الإمام علي كرم الله وجهه تقضت في النضال العنيف، والشجار المستحر، ملأتها الحوادث المروعة، واكتنفتها أمواج الاضطرابات الشاملة، فبعيد أن الإمام عليا يواتيه الوقت الكافي للنهوض بأعباء هذا العمل الجلل، على أنا لا نأبى أن له اليد الطولى على أبي الأسود في الإرشاد له، والإشراف عليه، وتقريره لما صح في استنتاجه، وقد يكون في ذلك تقريب للجمع بين الاختلاف في المختار فللإمام فضل الهداية إلى الأساس، ولأبي الأسود فضل القيام بوضعه على ضوء هدي الإمام.
واضعه أبو الأسود الدؤلي:
فالذي نخاله قريبا إلى الواقع ويرتضيه النظر أن أبا الأسود هو واضع هذا الفن، ونسبة الوضع للفن إنما تعتبر نتيجة لقيام الواضع ببعض الأبواب الأساسية في ذلك الفن، وهذا ما كان من أبي الأسود كما رأيت واختيار الأنباري نسبة الوضع للإمام أول كلامه اعتمادا على تفهيم الإمام أبا الأسود أقسام الكلمة وأقسام الاسم والباقي من النواسخ، إنما يتم لو تظاهر جمهرة العلماء المعنيين بهذا الشأن على الموافقة على هذه الرواية والاعتزاز بها، مع أن الذي قد سبق إليها وهو الزجاجي ساقها على أنها رواية من الروايات فحسب، ونقلها عنه كذلك ياقوت في ترجمة الإمام، أما الباقون فلم يعرضوا لها، وتصريحه آخر كلامه بالاختيار استنادا لرجوع الروايات عن أبي الأسود إلي الإمام في النهاية لا يتم أيضا مع عدم مخالفتها له في رجوع الروايات للإمام، ولا يؤدي ذلك إلى انتماء الوضع له على ما سبق في التقريب بين الاختيارين، ومما يؤيد نسبة الوضع إلى أبي الأسود ما روى بن النديم محمد بن إسحاق في الفهرست أن رجلا بمدينة الحديثة١ اسمه محمد بن الحسين
١ حديثة الفرات: وتعرف بحديثة النورة، وهي على فراسخ من الأنبار وبها قلعة حصينة في وسط الفرات وقد وجد بها عدد كبير من العلماء جيلا بعد جيل.