للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإشارة لذلك، وما لبث أن صار علم البصرة الخفاق.

وقال الناس: لم يكن بعد سيبويه أعلم من المازني بالنحو، ساعده على نبوغه قوة بيانه وأدبه، فكان له الفلج١ في الحجاج، وقد تغلب على الأخفش مع تلقيه عنه.

استقدمه من البصرة أمير المؤمنين هارون الواثق إليه في "سامرا" مقر الخلافة آنذاك لما أنشد مخارق قول الحارث بن خالد المخزومي:

أظليمُ إن مصابكم رجلا ... أهدى السلامَ تحيةً ظلمُ٢

بنصب رجل، ورأى علماء الكوفة حوله رفعه مع تمسك مخارق بإنشاده رواية عن المازني، فلما قدم المازني أوجب النصب مدللا عليه في حديث طويل، فأصاب نجحا عظيما عند الواثق، ثم حمله الواثق على اختبار العلماء فوقفوا من المازني على علم جم، ورغبه الواثق في البقاء فاعتذر، وعاد أدراجه إلى البصرة مرعي الجانب من الواثق ثم من أخيه المتوكل بعده، والمازني على طول باعه أبى التصنيف في النحو إذ كان يقول الكلمة المتقدمة في كتاب سيبويه: "من أراد أن يصنف كتابا واسعا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحيي".

نعم، ألف كتابا في علل النحو، وكتاب التصريف، وله كتب أخرى في غير النحو، ومن شعره:

شيئان يعجز ذو الرياضة عنهما ... رأيُ النساء وإمرةُ الصبيان

أما النساء فإنهن عواهر ... وأخو الصبا يجري بكل عنان


١ الفلج بزنة فلس الظفر والفوز.
٢ البيت المذكور من شواهد النحاة في المصدر الميمي، وحادثته مع ما نجم عنها من الحظوة عند الخليفة مفصلة في الأغاني أخبار الحارث، وفي المغني الباب الخامس آخر الجهة الأولى، وفي الوفيات، وكذا معجم الأدباء وإنباه الرواه مع تفصيل الأسئلة التي وجهها المازني، ونقل كل ذلك في شرح درة الغواص عند الوهم ٦٠ "النجوم الزاهرة سنة ٢٣٢".

<<  <   >  >>