[بسم الله الرحمن الرحيم]
المعروف بيتيمة الدهر في محاسن أهل العصر. وخدمت به خزانة الصاحب الصدر الكبير، العالم، العادل، المجاهد، المؤيد، المظفر، المنصور، تاج الدين، مجد الإسلام، وعضد الأنام، حسام الدولة، همام الملة، نصرة المجاهدين، فاهر المتمردين، منصف المظلومين من الظالمين، عز الصدور، ظهير الجمهور، اختيار الإمامة المكرمة، عرس الخلافة المعظمة، كريم العراق، طاهر الأعراق، سند المسلمين، أخي الملوك والسلاطين، سيف أمير المؤمنين، أبي الفتوح علي بن. . .، وعمر بالثناء والحمد ناديه. وأنا أعتذر من سهو يقع، وخرق لا يرقع. ومن اقتضى العفو ارتضى الصفو، وما خلا أحد من عاب، ولا رفع قلم عن كتاب.
قال أبو عبيدة: الشعراء الجاهلية ثلاثة، امرؤ القيس، والنابغة، وزهير. وسنذكرهم، ومن بعدهم على أوجز ما يكون من الاقتصار، وأحسن ما يليق من الاختصار. فإن المذاكرة لا تحتمل الإسهاب والإضجار. ولم أذكر إلا النوادر الغريبة الحسان، ومن الشعراء الذين لم يعرفهم إلا القليل من الأعيان. وابتدأت بذكر الشعراء الملقبين، الذين منهم من لقب بشعر قاله، ومنهم من لقب بعلامة فيه، أو بظاهر من لونه، أو بمشهور من فعله، ومنهم ببلده أو بكنيته.
[ألقاب الشعراء]
[فصل فيمن لقب بشعر قاله]
فممن لقب من الشعراء ببيت قاله مدرج الريح لقوله:
أعرفتَ رسماً من سميةَ باللوى ... درجتْ عليهِ الريحُ بعدكَ فاستوى
ويروى عنه أنه لما عمل نصف هذا البيت ارتج عليه، وأقام يكره مدة سنة، ولا يقدر يعمل له عجزاً. وكان قد دفن في نفس المنازل التي كان ينزلها دفينة، فذكرها وقال لجاريته أن تمضي وتخرج الخبيئة من تلك البرية والموضع الذي أعطاها علامته. فمضت الجارية، وقد اختلفت الرياح على تلك الأراضي، وعفت آثارها. فعادت ولم تجد شيئاً. فسألها عن الحال، فقالت:
درجتْ عليهِ الريحُ، بعدكَ، فاستوى
فتمم بيته بهذا، وسمي مدرج الريح.
ومنهم المرقش، واسمه عمرو بن سفيان، وهو مرقش الأصغر.
وسمي مرقشاً لأن وجهه كان منقطاً. وقال:
كما رقش في ظهرِ الأديمِ قلمْ
ومنهم الممزق لقوله:
وإنْ كنتُ مأكولاً، فكنْ أنتَ آكلي ... وإلاّ فأدركني ولما أمزقِ
ويروى أن عثمان كتب بهذا لبيت إلى علي، وهو محصور.
ومنهم المخرق، نسب نفسه إلى الممزق، وقال:
أنا المخرقُ أعراضَ اللئامِ، كما ... كانَ الممزقُ أعراضَ اللئامِ أبي
ومنهم المثقب، واسمه عائذ بن الأحمر بن وائلة. وإنما سمي مثقباًَ لقوله:
أرينَ محاسناً، وكننَّ أخرى ... وثقبنَ الوصاوصَ للعيونِ
الوصاوص: البراقع. ولقوله:
ظعائنٌ لا شوقي بهنَّ ظعائنٌ ... ولا الثاقباتُ من لؤي بنِ غالبِ
الثاقبات: يريد المصيبات.
ومنهم النابغة الذبياني، واسمه زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن ذبيان. قيل: إنما سمي النابغة لقوله:
وحلتْ في بني قينِ بنِ جسرٍ ... وقد نبغتْ لا منهمْ شؤونُ
وقل آخر: إنما سمي النابغة لأنه نبغ بالشعر. والنوابغ أربعة: نابغة بني ذبيان، ونابغة بني جعدة، وهو قيس بن عبد الله، ونابغة بني الحارث، وهو يزيد بن إبان، ونابغة بني شيبان، وهو عبد الله بن المخارق. سموا لأتهم نبغوا بالشعر بعدما كبروا.
ومنهم الخلج، واسمه ناجية بن مالك. وسمي الخلج بقوله:
كأنَّ تخالجَ الأشطانِ فيها ... شآبيبٌ تجودُ مع الغوادي
ومنهم شقرة، واسمه معاوية بن الحارث. سمي شقرة لقوله:
وقد أحملُ الرمحَ الأصمَّ كعوبهُ ... بهِ من دماءِ القومِ كالشقراتِ
والشقرات: الشقائق. وإنما سميت بذلك لأن النعمان بنى مجلساً، وسماه الضاحك، وزرع فيه الشقرات، فسمي شقائق النعمان.
ومنهم المفضل، واسمع عامر بن معشر بن أسحم بن عدي بن شيبان. وإنما سمي المفضل بقوله في قصيدته المنصفة:
فأبكينا نساءهم، وأبكوا ... نساءً ما يسوغُ لهنَّ ريقُ
ومنهم المقرض، واسمه زهدم بن معد بن عبد الحارث. وإنما سمي مقرضاً لقوله:
وأنا المقرضُ في جنو ... بِ الغادرينَ بكلِّ جارِ
تقريضَ زندةِ قادحٍ ... في كلها يورى بنارِ