للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كأنَّ المنايا تبتغي في خيارنا ... لها ترةً، أو تهتدي بدليلِ

لتأتِ المنايا حيثُ شاءتْ، فإنها ... محللةٌ بعدَ الفتى بن عقيلِ

فتًى كانَ مولاهُ يحلُّ بنخوةٍ ... محلَّ الموالي بعدهُ بمسيلِ

أخذ هذا المعنى جماعة، منهم الأحنف، فقال:

لئن كانتِ الأحداثُ أطولنَ عبرتي ... لفقدكَ، أو أسكنَّ قلبي التخشعا

لقد آمنتْ نفسي المصائبَ كلها ... فأصبحتُ منها آمناً أنْ أروعا

فما أتقي للدهرِ، بعدكَ، نكبةً ... ولا أرتجي للدهرِ، ما عشتُ، مرجعا

فسلمْ على اللذاتِ، واللهو، والصبى ... تولى بها ريبُ الزمانِ فأسرعا

فأخذه ابن المقفع، فقال يرثي أبا عمرو بن العلاء:

رزينا، أبا عمروٍ، ولا حيَّ مثله ... فللهِ صرف الحادثاتِ بمنْ يقعْ

فإنْ تكُ قد فارقتنا وتركتنا ... ذوي خلةٍ، ما في السوادِ لها طمعْ

فقد جرَّ نفعاً فقدنا لكَ، أننا ... أمنا على كلِّ الرزايا من الطمعْ

وأخذ هذا يعقوب بن الربيع فقل:

لئنْ كانَ قربكَ لي نافعاً ... لبعدكَ أصبحَ لي أنفعا

لأني أمنتُ رزيا الدهورِ ... وإن جلَّ خطبٌ، بأنْ أجزعا

وأخذه أبو نواس فقال:

طوى الموتُ ما بيني وبين محمدٍ ... وليسَ لما تطوي المنيةُ ناشرُ

وكنتُ عليه أحذرُ الموتَ وحدهُ ... فلم يبقَ لي شيءٌ عليه أحاذرُ

لئن عمرتْ دورٌ بمن لا نحبهُ ... لقد عمرتْ ممنْ نحبُ المقابرُ

وقال العتبي:

فيا فجعةَ الدنيا بمن شبتُ بعدهُ ... فسيانَ مضنونٌ به وضنينُ

وقال مروان:

رمتنا المنايا، يومَ بانَ، بحادثٍ ... بطيءٍ تداني شعبه المتبددِ

فقلْ للمنايا ما أردتِ بقيةً ... علينا، فعيشي كيفما شئتِ، وافسدي

وأنشد مؤرج:

وفارقتُ حتى ما أبالي من النوى ... وإن بانَ جيرانٌ عليَّ كرامُ

فقد جعلتْ نفسي، على النأي، تنطوي ... وعيني، على فقد الصديقِ، تنامُ

وقول الآخر:

روعت بالبينِ، حتى ما أراعُ له ... وبالمصائبِ في أهلي وجيراني

لم يتركِ الدهرُ لي شيئاً أضنُّ به ... إلا أتاهُ بموتٍ، أو بهجرانِ

ولله قول أبي الطيب إذ قال:

فصرتُ إذا أصابتني نصالٌ ... تكسرتِ النصالُ على النصالِ

وها أنا لا أبالي بالرزايا ... لأني ما انتفعتُ بأن أبالي

وقوله:

أنا الغريقُ، فما خوفي من البللِ

وقوله:

أنكرتُ طارقةَ الحوادثِ مرةً ... حتى ألفتُ بها فصارتْ ديدنا

[ذكر إبرهيم بن العباس]

كان إبراهيم مولى لبني المهلب بن أبي صفرة. فلذلك كان يفخرفي شعره بالعرب، ويذهب فيه مذهبهم. ورأيت جماعة من أدباء أهل الموصل خاصة يقدمون إبراهيم لى شعراء الكتاب، ويقولون: قد جمع مع رقة شعره فخامة اللفظ وجزالته وإصابة المعنى. ولشعره ديباجة ورونق ظاهر فيه. وشعره لا يفرق بينه وبين شعر العرب في الجاهلية والمخضرمين. فمن شعره قوله:

لنا إبلٌ غنٌّ يضيقُ بها الفضا ... وتفترُّ عنها أرضها وسماؤها

فمن دونها أن تستباحَ دماؤنا ... ومن دوننا أن تستذمَّ دماؤها

حمىً وقرىً، فالموتُ دونَ مرامها ... وأيسرُ خطبٍ، يومَ حقَّ فناؤها

وله ايضاً:

تلجُ السنونُ بيوتهم، وترى لها ... عن بيت جارهمُ ازورارَ الناكبِ

وتراهمُ بسيوفهم وشفارهمْ ... متسرعينَ لراغبٍ، أو راهبِ

حامينَ، أو قارينَ حيثُ لقيتهم ... نهبَ العفاةِ، ونهزةً للراغبِ

ومما يتمثل به من شعره:

خلِّ النفاقَ لأهلهِ ... وعليكَ فانتهج الطريقا

واذهب بنفسكَ أن ترى ... إلا عدواً، أو صديقا

وقوله في الفضل بن سهل:

لفضلِ بن سهلٍ يدٌ ... تقاصرَ عنها المثلْ

فنائلها للغنى ... وسطوتها للأجلْ

وباطنها للندى ... وظاهرها للقبلْ

وقوله:

أسدٌ ضارٍ إذا ما نعتهُ ... وأبٌ برٌّ إذا ما قدرا

يعلمَ الأبعدُ إنْ أثرى، ولا ... يعلمُ الأدنى إذا ما افتقرا

وله أيضاً:

ولكنَّ عبدَ الله لما حوى الغنى ... وصارَ له من بين أخوانهِ مالُ

تلقى ذوي الخلاتِ منهم بمالهِ ... فساهمهم حتى استوتْ بهمُ الحالُ

<<  <   >  >>