للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سقى جدثاً أمسى الكريمُ بن صالحٍ ... يحلُّ به، دانٍ من المزنِ، صائبُ

إذا بشرَ الواردَ بالغيثِ ودقهُ ... مرتهُ الصبا، واسحلبتهُ الجنائبُ

ومما يستحسن من هجائه:

يا حجةَ الله في الأرزاقِ والقسمِ ... ومحنةً لذوي الأخطارِ والهممِ

ما أن رأيناكَ في نعماءَ سابغةٍ ... إلا وربكَ غضبانُ على النعمِ

ومثل هذا قول أبي هفان:

ليستِ الغمةُ، عبدَ الل ... هِ في مثلكَ نعمهْ

وله معنى مطبوع، وإن كان فحشاً وسفهاً: أخذ هذا المعنى من قول دعبل في يزيد بن مزيد:

وكان يزيدٌ أبو خالدٍ ... إذا باتَ متخماً عاقدا

يضيقُ بأولادهِ بطنهُ ... فيخراهمُ واحداً، واحدا

[ذكر أحمد بن يوسف كاتب المأمون]

وأحمد أقدم من إبرهيم وسعيد، واجل مرتبة، غير أنهما أشعر منه. فمن شعره:

يا أبا عيسى إليكَ المشتكى ... وأخو الضرِّ إذا اعتلَّ شكا

ليسَ لي صبرٌ على هجرانكم ... وأعافُ المشربَ المشتركا

ومما يستظرف من شعره:

ألا إنَّ قلبي له خلقةٌ ... قليسَ أرى مثلها في الخلقْ

سريعُ العلوق إذْ ما اشتهى ... سريع النزوع إذا ما علقْ

فبينا يرى عاشقاً إذْ صحا ... وبينا يرى صاحياً قد عشقْ

رأيتُ الوصالَ وهجرانهُ ... يكونانِ منه معاً في نسقْ

فصرتُ إذا ما هوى لم أخفْ ... هواهُ، وإما صحا لم أثقْ

وأخذه بعض المتأخرين فقال:

رأيتُ فؤادي على شؤمهِ ... كثيرَ الولوعِ، كثيَر النزوعِ

كثيرَ التصرفِ في حبهِ ... لموحاً إلى كلِّ برقٍ لموعِ

يحبُّ ثلاثينَ في ساعةٍ ... ويقطعُ بالغدرِ قلبَ الجميعِ

وأخذه ابن ابي طاهر، فقال:

عدمتُ فؤادي من فؤادٍ، فما أشقى ... وأكثرَ ما يبلي، وأكثرَ ما يلقى

فلو كانَ يهوى واحداً لعذرتهُ ... ولكنهُ، من شؤمهِ، يعشقُ الخلقا

أرى ذا فأهواهُ، وأبصر غيرهُ ... فأبلى بذا سقماً، وأبلى بذا عشقا

ثمانونَ لي في كلِّ يومٍ أحبهم ... وما في فؤادي واحدٌ منهمُ يبقى

ومما يستجا من شعره:

وجوارُ الديارِ نأيٌ سحيقٌ ... حين ينأى الجوارُ بين القلوبِ

وأخذه أبوتمام فقال:

إذا باعدَ قلبي عنكَ منحرفاً ... فليسَ يدنيك مني أن تكونَ معي

وممن المستحسن قوله:

تطاولَ باللقاءِ العهدُ منا ... وطولُ العهدِ يقدحُ في القلوبِ

أراكَ، وإن نأيتَ بعينِ قلبي ... كأنكَ نصبُ عيني من قريبِ

وهذا المعنى خذه من قول الأول:

أما والذي لو شاءَ لم يخلقِ النوى ... لئن غبتَ عن عيني، لما غبتَ عن قلبي

يوهمنيكَ الشوقُ، حتى كأنما ... أناجيكَ من قربٍ، وإن لم تكنْ قربي

وأنشد ابو عبيدة في هذا المعنى:

إني لأضمرُ ذكرها، فكأنها ... دونَ النديمِ نديمتي في المجلسِ

وقال آخر:

وغائبةٍ عن مقلتيَّ، ولم تغبْ ... عن القلبِ في حالٍ لمستحلمِ الودِّ

يمثلها قلبي لطرفي، فأشتكي ... إليها الذي ألقى، وأحسبها عندي

آخر:

فإنْ حجبتْ، ولم أرها بعيني ... وأحرمتُ الزيارةَ من لقاها

فلي قلبٌ يمثلها لعيني ... فعيني، كلما نظرتْ، تراها

وله أيضاً:

الناسُ في الدنيا أحاديثُ ... تبقى، ولا تبقى المواريثُ

فرحمة الله على دارجٍ ... طابتْ له فيها الأحاديثُ

أخذ هذا المعنى محمود الوراق، فقال:

المرءُ، بعدَ الموتِ، إحدوثةٌ ... تبقى، وتفنى منه آثارهُ

فأحسنُ الحالاتِ حال امرئٍ ... تطيبُ، بعدَ الموت، أخبارهُ

يفنى ويبقى ذكرهُ بعدهُ ... إذا خلتْ، من شخصهِ، دارهُ

وقال أيضاً:

وسيبقى الحديثُ، بعدكَ، فانظرْ ... خيرَ أحدوثةٍ تكونُ، فكنها

وغيره:

وكنْ أحدوثةً حسنت، فإني ... رأيتُ الناسَ كلهمُ حديثا

وقال أحمد بن يوسف:

تركتكَ والهجرانَ، لا لملالةٍ ... ورددتُ يأساً من إخائكَ في صدري

وألزمتُ نفسي من فراقكَ خطةً ... حملتُ بها نفسي على مركبٍ وعرِ

فإني، وإن رقت عليكَ جوانحي ... فما قدرُ حبي أن أذلَّ له قدري

<<  <   >  >>