ولو أعطاكَ ربكَ ما تمنى ... عليهِ، لزادَ في عظمِ الأمورِ
لأيةِ علةٍ تهجو علياً ... بما لفقتَ من كذبٍ وزورِ
أمالكَ في استكَ الوجعاءِ شغلٌ ... بكفكَ عن أذى أهلِ القبورِ
وأما علي بن الجهم، فكان يهجوه أبو السمط، وابن الجهم يصون نفسه عن هجائه، غير أنه كان يضع من يهجوه. ولما مدح ابن الجهم المتوكل بقصيدته التي أولها:
الله أكبرُ، والنبيُّ محمدٌ ... والحقُّ أبلجُ، والخليفةُ جعفرُ
قال ابو السمط:
أرادَ عليٌ أنْ يحوكَ قصيدةً ... بمدحِ أميرِ المؤمنينَ، فأذنا
فقلتُ له: أذنتَ سراً، فلا تقمْ ... فلستُ على طهرٍ، فقال: ولا أنا
فلما لح في الهجاء لعلي قال فيه:
بلاءٌ ليسَ يشبههُ بلاءٌ ... عداوةُ غيرِ ذي حسبٍ ودينِ
يبيحكَ منه عرضاً لم يصنهُ ... ويرتع منكَ في عرضٍ مصونِ
وكان لأبي السمط ولد يقال له محمود وقد ذكرناه في النسبة، أعطاه المتوكل موضع أبيه، فقال في ذلك:
قد باركَ الله في شعري وشعر أبي ... والله منَّ على أهلِ اليمامةِ بي
قد باركَ الله في شعرٍ، وليتُ بهِ ... طرقَ الحجيجِ، وولاني على العربِ
أنا المؤدبُ حقاً، إنما أدبي ... ضربُ الرقابِ، وليسَ السوطُ من أدبي
كم من فوارسِ قومٍ قد تركتهمُ ... بالمشرفيةِ فرساناً على الخشبِ
تلقى اللصوصَ على الأقتابِ مقعيةً ... ومن فلحتُ به أقعى على الذنبِ
[ذكر متوج بن محمود بن مروان بن أبي الجنوب بن مروان]
قال يمدح الموفق، ويصف قتل العلوي، وكيف صار الجند إليه في المراكب:
ولما أقاموا البحرَ خندقَ خصمهم ... وظنوا بأنَّ البحرَ مركبهُ صعبُ
أقمتَ الشذا خيلاً، وسرتَ إليهمُ ... عليها، كأنَّ البحرَ مسلكهُ سهبُ
خيولٌ يحلُّ الماء مدةَ عمرها ... وليسَ لها أكلٌ، وليس لها شربُ
إذا أسرجوها يركبونَ بطونها ... فما إنْ لها لجمٌ، وما إنْ لها ركبُ
تسيرُ مكاناً تعجزُ الخيلُ سيره ... وما عندها خطوٌ، وما عندها وثبُ
إذا عطفوها في ليالٍ تعطفتْ ... وإنْ عطفتْ بالضربِ، لم يثنها الضربُ
فتجري، وبين الجوِّ والأرضِ جريها ... وإنْ باشرتْ أرضاً فحينئذٍ تكبو
قطعتَ عليها البحرَ، والبحرُ زاخرٌ ... وقد سفرتْ للموتِ، عن وجهها، النقبُ
بفتيانِ إقدامٍ وفتكٍ، كأنما ... لكل فتىً في كل جارحةٍ قلبُ
وهذا بيت نادر، وهو مأخوذ من قول من قال:
فمروا وكلٌّ مسمئتٌّ كأنهُ ... إلى أنْ يلاقي حتفَ ميتتهِ صبُّ
ثم قال:
فدارتْ كؤوسُ الموتِ فيهم كأنما ... كؤوسُ مناياهم لهم مشربٌ عذبُ
فما رجعوا إلا برأسِ عميدهم ... قد اقتضبتهُ منه هنديةٌ قضبُ
فإنْ كانَ قلبٌ للقناةِ فقد غدتْ ... قناتكَ فيها رأسه، أبداً، قلبُ
وإنْ كانَ للأفلاكِ قطبٌ يقيمها ... فللأرضِ أنتمْ، في خلافتكم، قطبُ
[ذكر من قال الشعر من ولد ابن ابي حفصة]
منهم إدريس. له يرثي إسحق بن إبراهيم الموصلي:
سقى الله يا ابنَ الموصلي بوابلٍ ... من الغيثِ قبراً أنت فيه مقيمُ
ذهبتَ فأوحشتَ الكرامَ، فما يني ... بعبرته يبكي عليك كريمُ
إلى الله أشكو فقد إسحق إنني ... وإن كنت شيخاً، بالعراق يتيمُ
وله أيضاً:
قد تولى النهارُ، واشتبكَ اللي ... لُ، خليليَّ، فاشربا واسقياني
قهوةً تتركُ الفقيرَ غنياً ... حسنَ الظنِّ، واثقاً بالزمانِ
ومنهم محمد بن إدريس "، وكان له شعر فيه تعسف. ومنه:
لما زمخنا، دونَ فهرٍ، زمخا
زخَّ بنا الله الأعادي زخا
فلم ندع من جمع قومٍ قلخا
إلا ملخنا الرأسَ منه ملخا
رستْ أواخي مجدنا ولخا
في الأرضِ حتى لم نجدْ مصخا
بنى لنا عادية لا تلخا
عزاً قدامياً، ومجداً بلخا
لو زاحما دمخاً أزالا دمخا
إنَّ لنا وبلاً وسيلاً جلخا
وعدداً جم الحصى وبذخا
نشدخُ منهم، منْ أردنا، شدخا
ولو نفخنا الناس طاروا نفخا