ومنهم آمنة بنت الوليد بن يحيى بن أبي حفصة. كانت زوجة مروان بن سليمان، وهي أم أبي الجنوب والسمط، فبلغها أن معن بن زائدة وهب لمروان زوجها جارية، فتسراها، وقد كان حلف لها مروان أنه لا يتخذ صاحبة حتى يرجع إليها، فكتبت إليه:
أبا السمطِ إنْ كانت أحاديثكَ التي ... أتتنا يقيناً، فاثبتِ، الدهرَ، في اليمنْ
حلفتَ بأيمانٍ غلاظٍ، فخنتنا ... ولو كنتَ تخشى الله، بالغيبِ، لم تخنْ
وكان سبب هذه الجارية أنه لما قدم على معن بن زائدة اليمن، وأحسن قراه، وأكرم مثواه، واجزل صلته، طلب المقام عنده. فلما طال عليه المقام كتب إليه:
منْ مبلغٌ معناً، حليفَ المجدِ ... أني من الليل أبيتُ وحدي
أبيتُ كالسيفِ الحسامِ الفردِ ... لا خودَ، إلا ما حلمتُ، عندي
كلٌّ يواري سيفهُ في غمدِ ... أحلفُ بالله يمينَ الجهدِ
ما مسَّ جلداً، مذْ قدمتُ، جلدي ... إلا منىً، في مرقدي، لا تجدي
ويروى عن أبي السمط أنه قال: دخلت على الأمير عبد الله بن طاهر، فقال لي: إني بت البارحة قلقاً أرقاً بتذكري ذا اليمينين، فارثه لي في مقامك هذا بأبيات تجعل لي لذكره طريقاً سهلاً. فوقفت ساعة، ثم قلت:
إنَّ المكارمَ إذ تولى طاهرٌ ... قطعَ الزمانُ يمينها وشمالها
إنَّ المنايا لو يبارزُ طاهراً ... لاقتْ، بوقعِ سيوفهِ، آجالها
أرسى عمادَ خلافةٍ من هاشمٍ ... ورمى عمادَ خلافةٍ، فأزالها
بكتِ الأسنةَ طاهراً، لما رأت ... روى النجيعُ بسيفهِ أنهالها
ليت المنون تجانفت من طاهرِ ... ولوتْ بذورة من تشاجى لها
ما كنتُ، لو سلمتْ يمينا طاهر ... أرزا، ولا أسلُ الحواث ما لها
فأمر لي بخمسة آلاف درهم، وقال: ربحنا عليك وخسرت علينا. وثم اعطاه في اليوم الثاني مثلها، ثم في اليوم الثالث.
وله أيضاً:
يقولُ أناسٌ: إنَّ مرواً بعيدةً ... وما بعدتْ مروٌ، وفيها ابنُ طاهرِ
وأبعدُ من مروٍ أناسٌ نراهمُ ... بحضرتنا، معروفهمْ غيرُ حاضرِ
عن العرفِ موتى، ما تبالي أزرتهم ... على أملٍ، أمْ زرتَ أهلَ المقابرِ
والبيت الأول كما قال أبو نواس:
واستبعدتْ مصرٌ، وما بعدتْ ... أرضٌ يحلُّ بها أبو نصرِ
ولقد وصلتُ بكَ الرجاءَ، ولي ... مندوحةٌ، لو شئت، عن مصرِ
[ومن الشعراء المحدثين الذين هم بيت]
رزين بن سليمان بن تميم بن نهشود بن خراش بن خالد بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة بن مازن بن الحارث. منهم علي بن رزين، ودعبل بن علي، ورزين بن علي، وأبو الشيص محمد بن عبد الله بن رزين، وعبد الله بن أبي الشيص، والحسن بن دعبل.
فأما علي بن رزين فهو مقل من الشعر. ومن شعره:
قد قلتُ، لما رأيتُ الموتَ يطلبني ... يا ليتني درهمٌ في كيس مياحِ
وأما رزين بن علي فمقل أيضاً. أنشد له أخوه دعبل:
أغرى بني جعفرٍ بي أنَّ أمهمُ ... كانت تلمُّ برحلي حين تغتلمُ
قومٌ إذا فزعوا، أو نالهمْ حدثٌ ... كانتْ خصومهمُ الأعراضُ والحرمُ
[ذكر دعبل بن علي بن رزين]
دعبل أكثر القوم شعراً، هو وأبو الشيص بحران. واسم دعبل محمد ودعبل لقب، يقال: هو الناقة الهرمة. وقل أحمد بن يحيى: إنه مشتق من الدعابة، أو الناقة السمينة. وكان دعبل، مع جودة شعره وفخامة لفظه، رجلاً ذا همة ونبل في نفسه، ويهجو من الخلفاء فما دون، وكان شعره أكثر من شعر نظرائه. وقيل: كان عند ولده الحسين من شعره ستة مجلدات ضخمة، في كل مجلد ثلاثمائة ورقة، وشعره قليل السقط. وسئل عبد الله بن مسلم عن جيد شعره، فقال: القصيدة القديمة قوله:
أفيقي من ملامكِ يا ظعينا
وهي القصيدة التي يرد فيها على الكميت، في قصيدته التي يقول فيها:
ألا حييتِ عنا يا مدينا
وكان دعبل عالماً بصيراً بالغريب والأخبار وأيام العرب، وشعره يدل على ذلك. وكان معاصراً لأبي نواس ومسلم. وقال دعبل: اجتمعت أنا وأبو الشيص ومسلم وأبو نواس في مجلس، فقال لنا أبو نواس: إن مجلسنا هذا قد شهر باجتماعنا فيه، ولا بد للناس أن يسألوا على ما انعقد وعلى ما انحل، فليأت كل امرئ بأحسن ما قاله. فأنشد أبو الشيص: