أضحى سليمانُ بنُ وهبٍ شاكراً ... نعماكَ، حقَّ لمثلها أنْ يشكرا
ومن مشهور غزل الحسن:
بأبي كرهتُ النارَ حتى أبعدت ... فعرفتُ ما معناكِ في إبعادها
هي ضرةٌ لكِ في التماعِ ضيائها ... وبحسنِ صورتها لدى إيقادها
وأرى صنيعكِ بالقلوبِ صنيعها ... بسيالها، وأراكها، وعرادها
شركتكِ من كلِّ الجهاتِ بحسنها ... وضيائها، وصلاحها، وفسادها
يا بؤسَ نفسٍ أولعتْ بسعادها ... لعبتْ سعادُ بعقلها وفؤادها
ما إنْ حوتْ من قبلها مثلاً لها ... كفا محمدها، ولا حمادها
غادِ المدامةَ، يا خليلي، غادها ... وأنعمْ بظلماءِ الدجى، فسوادها
واجعلْ شهادكَ في احتساءِش سلافها ... إذْ حظُّ عينك في طويلِ سهادها
وإنما جعل يذكر بناناً جارية محمد بن حماد، لأنه كان يعشقها عشقاً مبرحاً، وكان يكني عنها بسعاد، فاجتمعا في مجلس فيه نار، فكرهتها وتأذت بها، فأمر الحسن بإخراجها، وقال ما تقدم.
ومن شعره:
قالتْ: تصنعَ بالبكاءِ، فقلتُ: هلْ ... يبكي الفتى إلا لما في قلبهِ؟
فلقدْ ألفتُ الدمعَ، حتى ربما ... جرتِ الدموعُ به، ولم أعلمْ بهِ
وكتب إلى بعض أصدقائه:
سركَ الله بمن تلهو بهِ ... وبنوروزكَ يومَ الجمعهْ
وبدجنٍ ألبسَ الشمسَ، على ... أنها طوراً ترى ملتمعهْ
كفتاةِ الخدرِ أبدتْ وجهها ... من أعالي قصرها، مطلعهْ
عندنا وردٌ ومسكٌ عبقٌ ... ورياحينٌ لنا مجتمعهْ
خبرٌ خبرتهُ، فاسمعْ، ولا ... تقعدنْ من بعدِ أن تستمعهْ
[ذكر محمد بن عبد الملك الزيات كاتب، ووزير]
كان شاعراً حلو الألفاظ، عذب المعاني. له أشعار في ايام المأمون، ومدائح في المعتصم والواثق. وكذلك له أهاج بينه وبين عبد الله بن طاهر، وابن ابي دؤاد مشهورة، وغير ذلك من غزل وعتاب، واشعار وهو معتقل، وفي فنون أخرى. وسنذكر من ذلك لمعاً، ومختصراً.
فمن شعره ما وجه به إلى المأمون، لما هم بالصفح عن إبراهيم بن المهدي، يذكر ما كان منه في طلب الملك، ويحرضه عليه، وهو قوله:
فإنْ قلت قد رامَ الخلافةَ غيرهُ ... فلم يؤتَ، فيما كاَن حاولَ، من جدِّ
فلم أجزهِ، إذ خيبَ الله سعيهُ ... على خطأ، إنْ كانَ منه، ولا عمدِ
ولم أرضَ بعد العفوِ حتى فقدته ... وللعمُّ أولى بالتغمدِ والرفدِ
فليسَ سواءً خارجيٌ رمى به ... إليكَ سفاهُ الرأي، والرأيُ قد يردي
تعادتْ له من كلِّ أوبٍ عصابةٌ ... متى يوردوا، لا يصدروهُ عن الوردِ
وآخر في بيتِ الخلافةِ تلتقي ... به وبكَ الآباءُ في ذروةِ المجدِ
فمولاكَ مولاهُ، وجندكَ جندهُ ... وهل يجمعُ القينُ الحسامينِ في غمدِ
وقد رابني من أهلِ بيتكِ أنني ... رأيتُ لهم وجداً بهم، أيما وجدِ
وجردَ إبراهيمُ للموتِ سيفهُ ... وأبدى سلاحاً فوق ذي منعةٍ، نهدِ
فأبلى، ولم يبلغْ من الأمرِ جهدهُ ... فليسَ بمذمومٍ، وإن كانَ لم يجدِ
وهذي أمورٌ قد يخافُ ذوو النهى ... مغبتها، والله يهديكَ للرشدِ
فهذا تحريض حسن في تلويح جميل، وتعريض مشبع لا يعرف لمحدث مثله. ومن شعره المطبوع في برذون أشهب، كان المعتصم أخذه منه، وكان أحمد بن ابي خالد وشى به إليه، وفي هذه الأبيات أبيات لو أنها مرثية في ولد لحق لها، وهو قوله:
قالوا: جزعتَ، فقلت: إنَّ مصيبةً ... جلتْ رزيتها، وضاقَ المذهبُ
كيفَ العزاءُ، وقد مضى لسبيلهِ ... عنا، فوعنا الأحمُّ الأشهبُ
دبَّ الوشاةُ فباعدوهُ، وربما ... بعدَ الفتى، وهو الحبيبُ الأقربُ
لله يم عدوتَ عني ظاعناً ... وسلبتُ قربكَ، أيّ علقِ أسلبُ
نفسي مقسمةٌ، أقامَ فريقها ... وغدا لطيتهِ فريقٌ يجنبُ
الآنَ إذ كملتْ أداتكَ كلها ... ودعا العيونَ إليكَ خلقٌ معجبُ
أنساكَ؟ لا برحتْ، إذاً، منسيةً ... نفسي، ولا زالتْ بمثلكَ تنكبُ
أضمرتُ منكَ اليأسَ حين رأيتني ... وقوى حبالي من حبالكَ تقضبُ
ورجعتُ، حين رجعتُ منك، بحسرةٍ ... لله ما صنعَ الأصمُّ الأشيبُ
ومن مديحه في المعتصم رضي الله عنه: