للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حلفتُ، ومن حقِّ الذي قلتُ إنني ... أقولُ واثني بعد ذاكَ، وأحلفُ

لما هابَ هلُ الظلم مثلكَ سائقاً ... ولا أنصفَ المظلومَ مثلك منصفُ

وكان الذي بينه وبين أحمد بن ابي دؤاد سيئاً جداً في ايام الواثق، وبسببه حبس، وأخذت ضياعه، وناله ما ناله من العذاب المشهور، مرة في صندوق، ومرة في تنور. فمن قوله في أحمد:

يا سائلي عن أبي عبد الإلهِ لقدْ ... سألتَ عن رجلٍ، جمِّ الخساراتِ

اللئيمِ، بكتْ ... عليهِ أهلُ قرى هيتٍ وعاناتِ

فأجابه أحمد:

قلتُ لها حينَ أكثرت عذلي ... ويحكِ أزرت بكِ الموداتُ

قالتْ: فأينَ الكرامُ، قلتُ لها: ... لا تسألي عنهمُ، فقد ماتوا

قالتْ: ولم ذاكَ، قلت: فاعتبري ... هذا وزيرُ الإمامِ زياتُ

وقال محمد فيه:

إنَّ الجديدَ إذا ما زيدَ في خلقٍ ... تبينَ الناسُ أنَّ الثوبَ مرقوعُ

ولعبد الله بن طاهر في محمد:

أحسنُ من تسعينَ بيتاً هجا ... جمعكَ معناهنَّ في بيتِ

ما أحوجَ الملكَ إلى مطرةٍ ... تذهبُ عنها وضرَ الزيتِ

فأجابه محمد:

يا أيها المأفونُ في رأيهِ ... عرضتَ حوباءكَ للموتِ

قيرتمُ الملكَ، فلم ننقهِ ... حتى غسلنا القارَ بالزيتِ

ومن أشعاره وهو في الأعتقال:

ربتَ دارٍ بعدَ عمرانها ... أضحتْ خلاءً، ما بها أهلُ

لم تدخلِ البهجةُ دارَ امرءٍ ... إلا وما يهدمها داخلُ

ما يأمنُ الدنيا وأيامها ... بعديَ، إلا عاجزٌ جاهلُ

أما ترى العيشَ بها زائلاً ... تباً لدنيا عيشها زائلُ

وقال في ذلك، وكان المتوكل يأمر إبراهيم بن العباس أن يكتب فيه كتاباً، فكتبه، ثم أرسل إليه نسخته. فقرأها محمد، فقال يعزي نفسه:

أرى الدهرَ لا تفنى عجائبُ صرفهِ ... وأيامهُ ليستْ تقضى غرورها

لئن راعني يوماً كتابٌ قرأتهُ ... لقد نفدتْ كتبي، فحلتْ أمورها

وقد سارَ في الأمثالِ بيتٌ لخالدٍ ... وسرُّ أقاويلِ الرجالِ فجورها

فلا تجزعنْ من سنةٍ أنتَ سرتها ... فأولُ راضٍ سنةً منْ يسيرها

ومما يتمثل به من شعره النادر:

يا سوأتي لفتىً له أدبٌ ... أمسى هواهُ قاهراً أدبهْ

يأتي الدنيةَ، وهو يعرفها ... أعمى عن العيبِ الذي ارتكبهْ

وكتب رجل من الكتاب يقال له عيسى إلى محمد بن عبد الملك رقعة يذكر فيها حرمته، وأنه من أهل البلاغة والأدب، ووقع على موضع العنوان: عيسى. فوقع محمد على ظهر رقعته:

أنى تكونُ بليغاً ... ونصفُ إسمكَ عيّ

ونصفُ إسمكَ أيضاً ... ثلثا حروفِ مسيّ

[ذكر الحسن بن رجاء ابن أبي الضحاك الكاتب]

كان شاعراً مفلقاً، لا يكاد يسقط من شعره شيء، كما يسقط من أشعار نظرائه. وليس شعره بكثير:، وابياته المروية عنه حسنة النظم، مشبعة المعاني، جيدة التركيب. ومن شعره الذي يمدح المأمون:

صفوحٌ عن الإجرامِ، حتى كأنهُ ... من العفوِ، لم يعرفْ من الناسِ مجرما

وليسَ يبالي أنْ يكونَ به الأذى ... إذا ما الأذى لم يغشَ بالكرهِ مسلما

ومن ذلك قوله:

قد يصبرُ الحرُ على السيفِ ... وينكرُ الصبرَ على الحيفِ

ويؤثرُ الموتَ على حالةٍ ... يعجزُ فيها عن قرى الضيفِ

وقد كفانا ذكرنا في هذا الباب من ذكر من شعراء الكتاب، عدولاً عن الاسهاب. وغرضنا، في الذي أحضرناه، أن يعلق، ومتى كان مطولاً منعه السأم أن يعلق. وإذا رصع هذا الكتاب على خاطر أديب أشغل به المجلس الذي يحضره، وأعجب الحاضرين مما يذكره. لأني التقطت كل ما يتردد معناه في مغاني الأدب، ويحسن أن يذكر بين يدي الملوك وأهل الرتب، وغربت في الأخبار، وعدلت عن الأشياء التي سمجت بطريق الإكثار والإشتهار.

[شعراء عبيد العرب]

وما احتضر من أخبارهم، واستحسن من اشعارهم

<<  <   >  >>