قد طالَ ما شغلَ الوراثةَ عنهمُ ... أربابها، فدعوا المنى وضلالها
كشفَ الكتابُ عن العيونِ غطاءها ... وشفى الصدورَ، ونورهُ أشفى لها
شهدتْ، من الأنفالِ، آخرُ آيةٍ ... بتراثهم، فأردتمُ إبطالها
هل تطمسونَ من النجومِ لجومها ... بأكفكم، أمْ تسترونَ هلالها
أو تسترونَ مقالةً عن ربكم ... جبريلُ بلغها النبيَّ فقالها
له في مثل ذلك:
يا ابن الذي ورثَ النبيَّ محمداً ... دونَ الأقاربِ من ذوي الأرحامِ
الوحيُ بين بني البناتِ وبينكم ... قطعَ الخصامَ، فليس حين خصامِ
أنى يكونُ، وليسَ ذاك بكائنٍ ... لبني البناتِ وراثةُ الأعمامِ
أخذ هذا المعنى من قول طاهر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، حيث يقول للطالبيين:
لو كان جدكمُ هناكَ وجدنا ... فتسارعا فيهِ لوقتِ خصامِ
كان التراثُ لجدنا من دونهِ ... فحواهُ بالقربى بالإسلامِ
حقُّ البناتِ فريضةٌ معلومةٌ ... والعمُّ أولى من بني الأعمامِ
وله حين سئل عن جرير والفرزدق والأخطل:
ذهبَ الفرزدقُ بالفخارِ، وإنما ... مرُّ القصيدِ وحلوهُ لجريرِ
ولقد هجا فأمضَّ أخطل تغلبٍ ... وحوى النهى بمديحهِ المشهورِ
كلُّ الثلاثةِ قد أبرَّ، فمدحهُ ... وهجاؤهُ قد سارَ كلَّ مسيرِ
ولقد جريتُ ففتُّ غيرَ مقصرٍ ... بجراء لا حصرٍ، ولا مبهورِ
إني لآنفُ أنْ أجيزَ بمدحهِ ... أبداً لغيرِ خليفةٍ ووزيرِ
ما ضرني حسدُ اللئامِ، ولم يزلْ ... ذو الفضلِ يحسدهُ ذوو التقصيرِ
وكان مروان شاعراً للهادي وللمهدي وللرشيد، وكان وصوله إلى المهدي من أطرف ما يحكى. وذاك أنه قصد باب المهدي، وتمسك بوزيره يعقوب بن داود، وأقام سنة لم يوصله. واتفق أن المهدي قبض على يعقوب، وبقي مروان حائراً. فهو في بعض الأيام على باب المهدي إذ خرج إليه يزيد بن منصور الحميري، وقال: يا ابن ابي حفصة إن أمير المؤمنين ذكرك آنفاً وقال أنصرف عن بابي، ولا حاجة لي في شعرك. قال: فانصرفت وأنا مغموم. ثم تذكرت رجلاً كنت أشكو إليه همومي، واستريح إليه، فجئته، فدلني على يزيد بن مزيد، فشكوت إليه الحال، فقال: أدلك على رجل صدوق الحديث، له رقة، عساه ينفعك، فقلت: ومن هو؟ قال: الحسن الحاجب. فغدوت إليه، فشكوت حالي، فقال: اعمل قصيدة، وعرض بذكر يعقوب، واهجه فيها. فقلت قصيدتي التي أقول فيها:
أتاني عن المهديِّ قولٌ كأنما ... به أحتزَّ أنفي، من ذوي الضغنِ، جادعُ
فقلتُ، وقد خفتُ التي لا شوىً لها ... بلا حدثٍ: إني إلى الله راجعُ
فما لي إلى المهديّ، إنْ كنتُ مذنباً ... سوى حلمهِ الضافي على الناسِ، شافعُ
هل البابُ مفضٍ بي إليكَ ابنَ هاشمٍ ... فعذريَ، إنْ أفضى بيَ البابُ، أوسعُ
أثبتَ أمرأً طلقتهُ من وثاقهِ ... وقد أنشبتْ في أخدعيهِ الجوامعُ
وقال في قصيدة أخرى:
سيحشرُ يعقوبُ بن داودَ خائناً ... بلوحِ كتابٍ، بين عينيه كافرُ
خيانتهُ المهديَّ أودتْ بذكرهِ ... فأمسى كمن قد غيبتهُ المقابرُ
بدا منك للمهديِّ، كالصبحِ ساطعاً ... من الغشِّ، ما كانتْ تجنَّ الضمائرُ
وهل لبياضِ الصبح، إنْ لاحَ ضوءهُ ... فجابَ الدجى، من ظلمة الليلِ ساترُ
أمنزلةً فوقَ التي كنتَ نلتها ... تغاطيتَ، لا أفلتَّ مما تحاذرُ
وما زلتَ ترقى فوقَ قدركَ صاعداً ... بأفككَ، حتى قيلَ: يعقوبُ ساحرُ
قال: ثم أتيت بهما الحسن بعد يومين، ودفعتهما إليه فقال: لست واضعهما حتى أضعهما في يد المهدي. ففعل ذلك، وقرأهما على المهدي. فمضيت إليه وسألته عن الحال، فقال: لما قرأهما المهدي رق لك، وأمرني بإحضارك إليه، فاحضر يوم الاثنين. فحضرت الباب، فخرج وقال: قد علم أمير المؤمنين مكانك، ولقد احب أن يجعل لك يوماً يشرفك فيه، ويشهرك، ويبلغ بك شأواً. فقلت: ومتى يكون؟ قال: يوم الخميس تحضر. فحضرت، فإذا وجوه بي هاشم يدخلون. فلما غص المجلس دعاني، فدخلت، فسلمت بالخلافة، فرد علي السلام، وقال: إنما حبسناك من الدخول لانقطاعك إلى الفاسق يعقوب. فخدمت وافتتحت النشيد مما قلت في يعقوب. ثم انشدته قولي: