ولنا بقدسٍ فالبقيعُ إلى اللوى ... رجعٌ إذا لهثَ السبنتي الوالغُ
وادٍ، قرارٌ ماؤهُ ونباتهُ ... ترعى المخاضُ به، ووادٍ فارغُ
صعدٌ نحرزُ أهلنا بفروعهِ ... فيه لنا حرزٌ، وعيشٌ رافغُ
الرجع: المطر، والسبنتي: النمر، والرافغ: المخصب.
ومن شعر أوس، حيث عرض عليه الإسلام فأبى، رواه أيضاً حماد الراوية:
أحسبتني في الدين تابعةً ... أولوْ حللتُ على بني سهمِ
منعوا الخزايةَ عن بيوتهم ... بأسنةٍ وصفائحٍ خذمِ
ولقد غدوتُ على القنيصِ بسابحٍ ... مثل الوذيلةِ جرشعٍ لأمِ
قيدِ الأوابدِ، ما يغيبها ... كالسيدِ لا ضرجٍ، ولا قحمِ
ومن شعر خنساء بنت زهير:
ولا يغني توق المرءِ شيئاً ... ولا عقدُ التميمِ، ولا الغضارُ
إذا لاقى منيتهُ، فأمسى ... يساقُ به، وقد حقَّ الحذارُ
ولاقاهُ من الأيام يومٌ ... كما من قبل ُلم يخلدْ قدارُ
فأما زهير فأحد فحول الجاهلية. وفحولها أربعة: امرؤ القيس، والنابغة، وزهير، والأعشى. وبالإسناد عن عبد الله الليثي قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في مسيره إلى الجابية: أين ابن عباس؟ قال ابن عباس: فأتيته، فشكا تخلف علي عنه، قال: اولم يعتذر إليك؟ قال: بلى قلت: فهو ما اعتذر به. ثم قال: أما إن أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر، إن قومكم كرهوا لكم الخلافة مع النبوة. فقلت: لم؟ ألم تكن خيراً لهم؟ قال: بلى، لكنهم لو فعلوا كنتم عليهم جخفاً، جخفاً، جخفاً، وهو الفخر والبذخ والتطاول، ثم قال: هل تروي لشاعر السو شيئاً؟ قلت: ومن هو؟ قال: الذي يقول:
ولو أنَّ حمداً يخلدُ الناسَ خلدوا ... ولكنَّ حمدَ الناس ليسَ بمخلدِ
قلت: ذاك زهير، قال: فهو شاعر الشعراء، قلت: وبم كان ذلك؟ قال: كان لا يعاظل بين الكلام، ولا يتبع وحشية، ولا يمدح الرجل إلا بما يكون في الرجال. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل ابن عباس عن أشعر العرب، فقال: زهير، فقال: بم؟ فقال: بقوله:
لو كان يقعدُ فوقَ الشمسِ من كرمٍ ... قومٌ بأولهم أو مجدهم، قعدوا
قومٌ، سنانٌ أبوهمْ حين تنسبهم ... طابوا، وطابَ من الأولاد ما ولدوا
محسدونَ على ما كان من نعمٍ ... لا ينزعُ الله منهم ما لهُ حسدوا
ومما يتمثل به من شعر زهير:
ومنْ يغتربْ يحسبْ عدواً صديقهُ ... ومنْ لا يكرمْ نفسهُ لا يكرمِ
ومنْ يجعلِ المعروفَ من دون عرضهِ ... يفرهُ، ومنْ لا يتقِ الشتمَ يشتمِ
ومنْ لا يذدْ عن حوضهِ بسلاحهِ ... يهدَّ، ومنْ لا يظلمِ الناسَ يظلمِ
ومنْ لا يصانعْ في أمورٍ كثيرةٍ ... يضرسْ بأنيابٍ، ويوطأ بمنسمِ
ومنْ هابَ أسبابَ المنيةِ يلقها ... ولو رامَ أسبابَ السماءِ بسلمِ
ومنْ لا يزلْ يستحملُ الناسَ نفسهُ ... ولا يعفها يوماً من الذلِّ يسأمِ
وهذه أبيات يفضلها الرواة، ويكثرون التمثيل بها. ومعنى قوله: ومن لا يظلم الناس يظلم.
فلاؤها هنا صلة، مثل قول الآخر: والطيبان أبو بكر، ولا عمر.
فلا: صلة زائدة. وقول الآخر: من ير يوماً ير به.
وقول الآخر: من لم يكن ذئباً أكلته الكلاب.
إستذأب الناسُ، فمن لم يكنْ ... في الناسِ ذئباً أكلتهُ الذئابْ
وأما بجير وكعب ابنا زهير، قال محمد بن سلام: قلت لخلف الأحمر: بلغني أنك تقول: كعب أشعر من زهير! قال: لولا أبيات مديح لزهير كبر أمرهن لقلت ذاك: وكان أخوه بجير أسلم قبله، فشهد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتح مكة، وقال في ذلك:
منحناهمْ بسبعٍ من سليمٍ ... وألفٍ من بني عثمانَ وافِ
فرحنا، والجيادُ تجولُ فيهم ... بأرماحٍ مثقفةٍ خفافِ
وفي أكنافهم طعنٌ وضربٌ ... ورشقٌ بالمريشةِ الخفافِ
وشهد أيضاً حنيناً، وكان من خيار المسلمين، وقال في ذلك:
وجلنا جولةً، ثمَّ ارعوينا ... فأمكنا لمن حضرَ الجلادا
وقيل: خرج كعب وبجير إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال كعب لبجير: الق هذا الرجل، وانظر ما يقول. فتقدم بجير فأسلم. فبلغ ذلك أخاه كعباً، فقال:
ألا أبلغا عني بجيراً رسالةً ... على أي شيءٍ ويبَ غيركَ دلكا