للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك بما يجعله محرّماً كأن تكون على حساب شئ من الخُلق والدين. وهذا حُكمٌ مطّرِدٌ حتى بالنسبة للمسْلم.

على أنّ من اللازم أن يتنبّه المسلم إلى الحذر من تحوِّلِ تعامُلِه مع الكافر أو الكافرين إلى موالاةٍ أو محبةٍ أو تفضيل لهم وتقديمٍ لهم على المسلمين أو مجاملة لهم في مسائل الكفر أو إطراءً لهم أو لعباداتهم أو تهنئةٍ بأعيادهم، ونحو ذلك مما هو مِن شعائر دينهم، أو مُلازِمٌ للكفر.


= قَالَ: "فَإِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِين"َ، أخرجه الترمذي، ١٥٧٧، السير، وأبو داود، ٣٠٥٧، الخراج والإمارة والفيء، وقَالَ الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: إ"ِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِك" ينَ يَعْنِي هَدَايَاهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ هَدَايَاهُمْ، وَذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَرَاهِيَةُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْدَ مَا كَانَ يَقْبَلُ مِنْهُمْ، ثُمَّ نَهَى عَنْ هَدَايَاهُمْ" قلتُ: قد ضَعّف الإمام ابن حجر دعوى النسخ ودعوى التخصيص، وَسَاق ابن حجر الخلاف في هذا بين الأئمة بقوله: "وأورد المصنف [يَعني: البخاري] عدة أحاديث دالة على الجواز، فجمع بينها الطبري بأن الامتناع فيما أُهدِي له خاصة، والقبول فيما أُهدِي للمسلمين. وفيه نظر؛ لأن مِن جملة أدلة الجواز ما وقعت الهدية فيه له خاصة. وَجَمع غيره بأن الامتناع في حق مَن يريد بهديته التودد والموالاة، والقبول في حق مَن يُرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام. وهذا أقوى مِن الأول. وقيل: يُحْمل القبول على مَن كان مِن أهل الكتاب، والرد على مَن كان من أهل الأوثان، وقيل: يمتنع ذلك لغيره من الأمراء، وأن ذلك من خصائصه. ومنهم مَن ادّعى نسخ المنع بأحاديث القبول، ومنهم مَن عَكَسَ. وهذه الأجوبة الثلاثة ضعيفة؛ فالنسخ لا يَثْبت بالاحتمال، ولا التخصيص"، الفتح، ٥/ ٢٣١. ومع هذا، فإنّ أحاديث الجواز هي الأكثر الأشهر والأقوى ثبوتاً، ثم إنه لابدّ مِن مراعاة اختلاف الأحوال ورعاية المصالح الشرعية، ولا شَكّ في أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اختلفت الأحاديث عنه في هذا فإنّه كان مراعياً لذلك، وربما كان هذا هو السبب في اختلاف الأحاديث، والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>