للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النفس" ١. يتضمن هذا الحديث بيان المقياس السليم الذي ينبغي أن تستقر عليه النفوس، وتربَّى عليه الضمائر، تجاه النظر إلى مفهوم الغنى، وهو مقياسٌ له أهميته، وله ما بعده حين تتربى عليه النفوس؛ ذلك لأن حُبَّ الغِنى غريزة فطرية في النفس البشرية؛ ومِن ثم جاء هذا النص النبويّ الكريم يستثمر هذه الغريزة البشرية لاستصلاح النفس البشرية وتوجيهها الوجهة السليمة! ويقوّمها عن طريق إصلاح مفاهيمها، كتصحيح مفهوم الغِنى بأنه ليس بكثرة أشياء الإنسان، وإنما بغنى نفسه وهذا هو الواقع المشاهَد!.

* - قوله صلى الله عليه وسلم: ... "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها" ٢. يُنبّه إلى قاعدتين مطّردتين اطّراد حركة الإنسان وسعيه، اطّراداً لا يتخلف وإنْ غفل الغافلون. القاعدة الأُولى: "كل الناس يغدو"؛ فالناس جميعاً في حركةٍ وفي عملٍ وفي غدوّ ورواح، حتى الجالسين منهم والنائمين!. والقاعدة الثانية: "فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها". إنها نتيجةٌ ملازِمةٌ للقاعدة الأولى إن نتيجة ذلك السعيِ بيعٌ لا محالة، ولكنه ليس بيعاً لسلعة أخرى غير نفس الإنسان، إنه بسعيه بائعٌ لا محالة، والإنسان البائع هنا إنما يبيع نفسه، وفي ذلك البيع إما فكاك نفسه من عذاب الله وسخطه وإعتاقها منهما، وإما تسليمُ نفسه لعذاب الله وأسْرها بسخطه، والعياذ بالله.

يقول الإمام النوويّ في معنى هذه اللفظة: "كل إنسان يسعى بنفسه؛


١ أخرجه البخاري، برقم: ٦٠٨١، ومسلم، في الزكاة، برقم١٢٠١٠٥١.
٢ أخرجه مسلم، في: الطهارة، ١٢٢٣.

<<  <   >  >>