فقال: إن الله يقرئك السلام، ويقول لك: أتحب أن أجعل لك هذه الجبال ذهباً، وتكون معك حيثما كنت؟ فأطرق ساعة، ثم قال: يا جبريل، إن الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له" أخرجه البيهقي في الشعب عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً. وعن عائشة رضي الله عنا: "إن كنا آل محمد لنمكث شهراً ما نستوقد ناراً، إن هو إلا التمر والماء" وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعاً من خبز، حتى مضى لسبيله، ولو شاء لأعطاه الله ما لا يخطر ببال" فهذا قليل مما ورد عن الله تعالى وعن رسول صلى الله عليه وسلم في ذم الدنيا وتحقيرها، والحث على الزهد فيها. وقد عرض الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجعل له بطحاء مكة وجبالها ذهباً وأن يسيرها معه حيث شاء، فأباها، فما معنى وضع هذا الحطام في حجرته أو على قبره الشريف، وقد جفا الدنيا وحطامها في حال حياته؟ فكيف بعد مماته وقد أفضى إلى رحمة ورضوان بل إلى مقعد صدق في أعلى الجنان؟ وقد علمت وعيد من يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، أفلا يستحي واضعو هذه السحوت الدنيوية التي جمعت من حلال وحرام أن يدنسوا بها حجرة أشرف الأولين والآخرين، ويعلو بها قبر سيد المرسلين وقد كرهها وابتعد عنها في حال حياته وقد حرم على رجال أمته التحلي بها واستعمال آنية الذهب والفضة ولبس الحرير. فما يرجوه هؤلاء الجهلة الذين يهدون هذه الأعراض الدنيوية إلى حجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وإلى قبره الشريف وهو صلى الله عليه وسلم قد كرهها وأباها في حال حياته؟ لقد باء هؤلاء الجهلة بغضب الله تعالى وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم في مخالفتهم لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثالث: أن ما وضع في حجرة المصطفى من هذه الإغراض الدنيوية إن كان على طريق احترام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه مما يحبه الله ورسوله فما قدمناه في الوجهين قبل هذا يبطل هذه الدعوى وإن كان وضعه على وجه الصدقة لجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه مدخر لحاجتهم ومعد لفاقتهم، فقد وصلت إليه يد الخيانة وعبث فيه قبل أن تصل إليه يد الوهابي، كما ذكر ذلك العلامة محمود فهمي