لا يسعه ردنا هذا – وقد أبرز زبدة ما قيل في هذه الأقوال الخمسة فاكتفينا به من الإطالة.
قال رحمه الله تعالى: فهذه خمسة أقوال دائرة على اعتبار أهل السنة والاتباع، وأنهم المرادون بالأحاديث، فلنأخذ ذلك أصلاً. وينبني عليه معنى آخر وهي المسألة السابعة عشرة وذلك أن الجميع اتفقوا على اعتبار أهل العلم والاجتهاد، سواء ضموا إليهم العوام أم لا، فإن لم يضموهم إليهم فلا إشكال أن الاعتبار إنما هو بالسواد الأعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم، فمن شذ عنهم فمات فميتته جاهلية، وإن ضموا إليهم العوام. فبحكم التبع لأنهم غير عارفين بالشريعة. فلا بد من رجوعهم في دينهم إلى العلماء فإنهم لو تمالأوا على مخالفة العلماء فيما حددوا لهم لكانوا هم الغالب والسواد الأعظم في ظاهر الأمر لقلة العلماء وكثرة الجهال، فلا يقول أحد: إن اتباع جماعة العوام هو المطلوب، وأن العلماء هم المفارقون للجماعة والمذمومون في الحديث بل الأمر بالعكس، وأن العلماء هم السواد الأعظم وإن قلوا، والعوام هم المفارقون للجماعة إن خالفوا، فإن وافقوا فهو الواجب عليهم. ومن هنا لما سئل ابن المبارك عن الجماعة الذين يقتدى بهم؟ أجاب بأن قال:"أبو بكر وعمر" قال: فلم يزل يجيب حتى انتهى إلى محمد بن ثابت والحسين بن واقد، قيل: فهؤلاء ماتوا، فمن الأحياء؟ قال: أبو حمزة السكري، وهو محمد بن ميمون المروزي، فلا يمكن أن يعتبر العوام في هذه المعاني بإطلاق وعلى هذا لو فرضنا خلو الزمان عن مجتهد لم يكن اتباع العوام لأمثالهم، ولا عد سوادهم أنه السواد الأعظم، المنبه عليه في الحديث الذي من خالفه فميتته جاهلية بل يتنزل النقل عن المجتهدين منزلة وجود المجتهدين. فالذي يلزم العوام مع وجود المجتهدين هو الذي يلزم أهل الزمان المفروض الخالي عن المجتهدين. وأيضاً فاتباع نظر من لا نظر له، واجتهاد من لا اجتهاد له: محض ضلالة، ورمي في عماية، وهو مقتضى الحديث الصحيح:"إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً" الحديث. روى أبو نعيم عن محمد بن القاسم الطوسي قال: سمعت إسحاق بن