وقال الإمام ابن حزم في كتابه " النبذ الكافية في علم الأصول": التقليد حرام ولا يحل لأحد أن يأخذ قول أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا برهان لقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}[الأعراف، الآية:٣] وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آباءنا}[البقرة، الآية:١٧٠] . وقال في حق من لم يقلد:{فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الألباب}[الزمر، الآية:١٧-١٨] وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[النساء، الآية:٥٩] فلم يبح الله تعالى الرد عند التنازع إلى أحد دون القرآن والسنة. وحرم بذلك الرد عند التنازع إلى قول قائل، لأنه غير القرآن والسنة وقد صح إجماع الصحابة كلهم أولهم عن آخرهم، وإجماع جميع التابعين أولهم عن آخرهم، وإجماع تابعي التابعين أولهم عن آخرهم على الامتناع والمنع من أن يقصد منهم أحد إلى قول إنسان منهم، أو ممن قبلهم فيأخذه. فليعلم من أخذ بجميع أقوال أبي حنيفة، أو جميع أقوال مالك, أو جميع أقوال الشافعي، أو جميع أقوال أحمد رضي الله عنهم. ولم يترك من اتبع منهم أو من غيرهم إلى قول غيره، ولم يعتمد على ما جاء في القرآن والسنة غير صارف لذلك إلى قول إنسان بعينه: أنه قد خالف إجماع الأمة كلها أولها عن آخرها، بيقين لا إشكال فيه، وأنه لا يجد لنفسه سلفاً، ولا إنساناً في جميع الأعصار المحمودة الثلاثة فقد اتبع غير سبيل المؤمنين نعوذ بالله من هذه المنزلة.
وأيضاً: فإن هؤلاء الفقهاء كلهم قد نهوا عن تقليدهم وتقليد غيرهم، فقد خالفهم من قلدهم، وأيضاً فما الذي جعل رجلاً من هؤلاء – أو غيرهم - أولى أن يقلد من عمر بن الخطاب، أو علي بن أبي طالب، أو ابن مسعود، أو ابن عمر، أو ابن عباس، أو عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم. فلو ساغ التقليد لكان كال واحد هؤلاء أحق بأن يتبع من غيره.
وذكر في كتاب التلخيص نحو ذلك ومن عبارته فيه: وهل أباح مالك وأبو