حنيفة والشافعي رضي الله عنهم قط لأحد تقليدهم؟ حاشا الله من هذا، بل والله قد نهوا عن ذلك ومنعوا منه، ولم يفسحوا لأحد فيه.
وقال في كتابه الدرة: وعلى كل أحد مقدار ما يطيق من الاجتهاد في الدين. ولا يحل لأحد أن يقلد أحداً لا حياً ولا ميتاً ولا أن يتبع أحداً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قديماً ولا حديثاً. ومن التزم بطاعة إنسان بعينه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائلاً بالباطل، ومخالفاً لما عليه جماعة الصحابة وجميع التابعين أولهم عن آخرهم. وجميع تابعي التابعين بلا خلاف من احد منهم، وما كان في الإعصار الثلاثة احداً فما فوقه أخذ قول إنسان فوقه فنصره كله، واعتقده بأسره، وانتسب إليه. فهذه بدعة خالف الإجماع التام صاحبها.
وقال في كتابه "إبطال التقليد" إنما حدث التقليد في القرن الرابع، والتقليد هو أن يفتي في الدين فتيا لأن فلاناً الصاحب أو فلاناً التابع أو فلاناً العالم أفتى بها بلا نص في ذلك. وهذا باطل، لأنه قول في الدين بلا برهان، وقد يختلف الصحابة والتابعون والعلماء في ذلك. فما الذي جعل بعضهم أولى بالاتباع من بعض؟ قالك ويكفي في إبطال التقليد: أن القائلين به مقرون على أنفسهم بالباطل. لأن كل طائفة من الحنفية والمالكية والشافعية مقرة بأن التقليد لا يحل وأئمتهم الثلاثة قد نهوا عن تقليدهم ثم مع ذلك خالفوهم وقلدوهم وهذا عجب ما مثله عجب، حيث أقروا ببطلان التقليد ثم دانوا الله بالتقليد.
وأيضاً: فإنهم مجمعون معنا على أن جميع أهل عصر الصحابة لم يكن فيهم واحد فما فوقه يقلد صاحباً أكبر منه، فيأخذ قوله كله، وأن جميع أهل عصر التابعين لم يكن فيهم واحد يقلد صاحباً أو تابعاً أكبر منه فيأخذ بقوله كله فصح بقيناً أن هؤلاء المقلدين الذين لا يخالفون من قلدوه قد خالفوا إجماع الأمة كلها بيقين، وهذا عظيم جداً. وأيضاً: فما الذي خص أبا حنيفة ومالكاً والشافعي بأن يقلدوا دون أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعائشة، ودون