يقتضي ولا أن يفتي، إلا أن يكون عالماً بالحديث والفقه والاختلاف. فإن كان عالماً بأحدها لم يجز له أن يقضي، ولا أن يفتي. وهذا قول أبي حنيفة والشافعي بلا خلاف. قال: فلينظر حكامهم مفتوهم اليوم هل هذه صفتهم أم لا؟ فإن كانوا ليسوا كذلك فقد خالفوا من ادعوا تقليده وحصلوا على لا شيء.
وقال في رسالة أخرى: قد دل الكتاب والسنة وحضا على النظر والاجتهاد وترك التقليد، ووجدنا أصحاب رسول الله أولهم عن آخرهم، ليس منهم أحد أتى من هو فوقه في القرب والسابقة والعلم، فأخذ قوله كله فتقلده في دينه، بل رأينا كل امرئ منهم يجتهد لنفسه، ثم بحثنا عن عصر التابعين فوجدناهم على تلك الطريقة ليس منهم أحد أتى إلى تابع أكبر منه أو إلى صاحب فتقلد قوله كله. وكذلك أتباع التابعين ليس منهم أحد أتى إلى تابع أو صاحب أو فقيه من أهل عصره أكبر منه، فأخذ قوله كله ولم يخالفه في شيء منه، ولا أمروا بذلك عامياً ولا خاصياً وهذه القرون المحمودة الثلاثة. فعلمنا يقيناً أنه لو كان أخذ قول عالم بأسره فيه شيء من الخير والصواب ما سبقهم إليه ما حدث في القرون المذمومة. ولو كان ذلك فضيلة ما سبقناهم إليها، وهذا العصر الثالث: هو الذي كان فيه ابن جريج وسفيان بن عيينة بمكة، وابن أبي ذئب، ومحمد بن إسحاق، وعبد الله بن عمر، وإسماعيل بن أمية، ومالك بن أنس، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وعبد العزيز الدراوردي، وإبراهيم بن سعد بالمدينة، وسعيد بن أبي عروبة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ومعمر بن راشد، وأبو عوانة، وشعبة، وهمام بن يحيى، وجرير بن حازم، وهشام الدستوائي، وزكريا بن أبي زائدة، وحبيب بن الشهيد، وسوار بن عبد الله، وعبيد الله بن الحسن، وعثمان بن سليمان بالبصرة. وهشام بن بشر بواسط. وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والحسن بن يحيى، وشريك، وأبو حنيفة، وزهير بن معاوية، وجرير بن عبد الحميد، ومحمد بن حازم بالكوفة. والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، والزبيدي، والقاضي حمزة بن يحيى، وشعيب بن أبي حمزة بالشام. والليث بن سعد، وعقيل بن