وقال أبو جعفر محمد بن الحسن الأرسابندي من الحنفية، في كتاب "أصول الفقه" القول في أسماء الحجج التي هي مضافة إلى أربعة أنواع: التقليد، والإلهام، واستصحاب الحال، والطرد. وهذه أسماء مستحسنة المبادئ، مستقبحة العواقب، ومداخلها هدى، ومخارجها ضلال لا ينجو من تمسك بمبادئها عن عواقبها، إلا بتأمل ونظر ودوام على حذر. فنقول وبالله التوفيق، التقليد: هو أن يقلد غيره ويتبعه من غير دليل ظهر له، وأنه من أفعال الكفرة. قال الله حاكياً عنهم:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[الزخرف، الآية: ٢٣] وقال حاكياً عنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ}[العنكبوت، الآية: ١٢] وقال الحشوية: التقليد حق، واحتجوا بأن الأصل في بني آدم العقل، والأصل في العقلاء العمل الحق، لأن العقل يدعوهم إليه، وبأنا جوزنا تقليد الصحابي لأنه صاحب من يجب اتباعه وهكذا إلى قيام الساعة. ونقول: التقليد باطل، لأن الله تعالى ذم الكفرة على التقليد، فقال حاكياً عنهم:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ}[الزخرف، الآية: ٢٣] فلا يجوز أن يشتغل الإنسان بما يستحق الذم عليه، ولأن فعله يحتمل الخطأ والصواب. والمحتمل: لا يصلح حجة ولأنك تقول لهذا الرجل: قلدت فلاناً لأنه عاقل، فقلدني أيضاً، فإن قلدك فقد ترك مذهبه، وإن لم يقلدك، نقول له: الموجب لتقليده عقله. وقد وجد هنا. ولأنا نقول له: قلدته لعلمك بكونه حقاً أولاً؟ فإن قال: لا، بالجهل. لا يصلح حجة، وإن قال: نعم، فعلمه يستند إلى دليل. فلم يكن مقلداً.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في "القواعد الكبرى" ومن العجب العجيب: أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه، بحيث لا يجد لضعفه مدفعاً وهو مع ذلك يقلده فيه، ويترك من شهد الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبهم، جموداً على تقليد إمامه، بل يتحيل لدفع ظواهر الكتاب والسنة ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالاً عن مقلده. قال: وقد