مِنْهُمْ} [النساء، الآية: ٨٣] ، وقال:{فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}[التوبة، الآية: ١٢٢] الآية. "والتفقه" من التفهم والتبيين، ولا يكون ذلك إلا بالنظر في الأدلة واستيفاء الحجة دون التقليد، لأن التقليد لا يثمر علماً، ولا يفضي إلى معرفة، وقد جاء النص بذم من أخلد إلى تقليد الآباء والرؤساء، واتباع السادات والكبراء، تاركاً بذلك ما ألزمه الله من النظر والاستدلال، وفرض عليه من الاعتبار والاجتهاد. فقال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}[البقرة، الآية: ١٧٠] ، وقال:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف، الآية: ٢٢] في نظائر من هذه الآيات، تنبيهاً بها على علة حظر التقليد. بأن فيه ترك اتباع الأدلة والعدول عن الانقياد إلى قول من لا يعلم أنه فيما تقلد فيه مصيب أو مخطئ. فلا يأمن من التقليد لغيره كون ما يقلده فيه خطأ وجهلاً. لأن صحة المذهب لا تتبين من فساده باعتقاد المعتقد له، وشدة تمسكه به. وإنما يتميز صحيح المذاهب من فاسدها وحقها من باطلها بالأدلة الكاشفة عن أحوالها، والمميزة بين أحكامها. وذلك معدوم في المقلد لأنه متبع لقول لا يعرف صحته من فساده، وإنما اعتقده لقول مقلده به. فإن زعم صاحب التقليد أنه يعرف صحة القول الذي قلد فيه ويعلم أنه حق، وأن اعتقاده واجب. فذلك باطل منه لأن العلم بذلك لا يكون إلا بالنظر في الأدلة التي هي طريق العلم به فإذا عدل عنها علمنا بطلان دعواه للعلم بصحة ما قلد فيه، فإن قال: علمت صحة القول الذي قلدت فيه بدليل وحجة، قلنا: فأنت إذن غير مقلد، لأنك عارف بصحة القول الذي تعتقده، والتقليد: هو اتباع القول، لأن قائلاً قال به من غير علم بصحته من فساده.
ثم قال – فإن قيل: فإذا كنتم تمنعون التقليد وتدعون إلى النظر: فيجب أن تبينوا صحته وتثبتوه طريقاً للعلم بالمنظور فيه. فالجواب: أن القرآن قد حض على النظر والاعتبار في الآيات السابقة، ولا يجوز أن يحض على النظر فيما لا يثمر علماً، ويأمر باعتقاد ما يؤدي إليه. وإن لم يكن حقاً مع قوله تعالى: {وَلا