والحاصل مما تقدم: أن التقليد رخصة لمن عجز عن استخراج الأحكام من نصوص الكتاب والسنة فواجب العاجز السؤال لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل، الآية: ٤٣] وشرط السؤال: أن يكون عن حكم الله ورسوله، لا عن مذهب رجل معين يتقيد به دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما قول المعترض:"فأي إجماع من عهد آدم إلى اليوم أعظم من هذا الإجماع الذي لا يحاول إنكاره إلا من ران على قلبه، وختم الله على بصره وسمعه".
فنقول لهذا الجاهل الأحمق: إننا بما أوردناه من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ومن كلام الصحابة والتابعين، والأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين، من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا. قد بينا له فيه بطلان ما ادعاه من الإجماع الذي لم يستند فيه إلا على مجرد الدعوى، مع مخالفة من ذكرناهم. وأما تعبير هذا الأحمق الساقط، وما ظهر به من الجهل المركب، والغباوة المتناهية فإنه لم يشارك المعترض فيهما أحد، حتى من البله الذين تضرب بهم الأمثال قبله، فإنه – أولاً – لم يذكر فاعل "ران" من قوله: "إلا من ران على قلبه" وفي هذا من وخيم الجهل ما ينطق بحاقة هذا المعترض.
وأيضاً فأنه وصف الختم على العيون، وهذا لم يرد في كتاب الله تعالى ولا في حديث رسوله صلى الله عليه وسلم:{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}[البقرة، الآية: ٧] قال الإمام ابن جرير في تفسيره، قوله:{وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}[البقرة، الآية: ٧] خبر مبتدأ، بعد تمام الخبر عما ختم الله جل ثناؤه عليه من جوارح الكفار، الذين مضت قصصهم. وذلك أن "غشاوة" مرفوعاً بقوله "وعلى أبصارهم" فذلك دليل على أنه خبر مبتدأ، وأن قوله:"ختم الله على قلوبهم" قد تناهى عند قوله: "وعلى سمعهم" وذلك هو القراءة الصحيحة عندنا لمعنيين.
أحدهما: اتفاق الحجة من القراء والعلماء على الشهادة بتصحيحها،