طلبه من كتاب الصلاة. لأن الحديث إذا أورد في كتاب الصلاة علم الناظر أن ذلك الحديث هو دليل ذلك الحكم، فلا يحتاج إلى أن يفكر فيه، بخلاف الأول.
ومنهم من استخرج أحاديث تتضمن ألفاظاً لغوية، ومعاني مشكلة فوضع لها كتاباً، قصره على ذكر متن الحديث، وشرح غريبه وإعرابه ومعناه، ولم يتعرض لذكر الأحكام كما فعل أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، وغيرهما.
ومنهم من رتب على العلل بان يجمع في كل متن طرقه، واختلاف الرواة فيه، بحيث يتضح إرسال ما يكون متصلاً، أو وقف ما يكون مرفوعاً، أو غير ذلك.
ومنهم من قصد إلى استخراج أحاديث تتضمن ترغياً وترهيباً، وأحاديث تتضمن أحكاماً شرعية غير جامعة، فدونها وأخرجها متونها وحدها، كما فعل أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي في المصالح واللؤلؤء في المشكاة، وغير هؤلاء فإنهما حذفا الإسناد واقتصرا على المتن فقط.
ومنهم من اضاف إلى هذا الاختيار ذكر الأحكام وآراء الفقهاء، مثل أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي، في معالم السنن وأعلام السنن (١) .
ومنهم من قصد ذكر الغريب، دون المتن من الحديث، واستخرج الكلمات الغريبة، ودونها ورتبها وشرحها، كما فعل أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي وغيره من العلماء.
وبالجملة فقد كثرت في هذا الشأن التصانيف، وانتشرت في أنواعه وفنونه التآليف، واتسعت دائرة المشارق والمغارب، واستنارت مناهج السنة لكل طالب. ولكن لما كان أولئك الأعلام السابقون فيه، لم يأت صنيعهم على أكمل الأوضاع، فإن غرضهم كان أولاً حفظ الحديث مطلقاً وإثباته، ودفع الكذب عنه والنظر في طرقه وحفظ رجاله وتزكيتهم، واعتبار أحوالهم، والتفتيش عن أمورهم، حتى قدحوا وجرحوا، وعدلوا وأخذوا وتركوا. هذا بعد الأحتياط
(١) اختلف في اسمه قيل أحمد وقيل حمد توفي عام ٣٨٨هـ[الأعلام للزركلي٢: ٣٠٤] .