روايته. وهذا مبلغه من العلم لأنه جاهل أحمق. يظن أن رواية الحديث من باب القليد، فلا يستغرب هذا على فهمه العاطل. وقد قال صلى الله عليه وسلم:"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ... الحديث" وعن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نضر الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه وبلغه فرب حامل فقه ليس بفقيه" وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم" ذكر هذه الأحاديث ابن عبد البر في جامع بيان العلم. فأئمة أهل الحديث – وإن تأخر زمانهم – فقد اجتمع لهم من سنة رسول الله ما لم يجتمع لمن قبلهم من أفراد الأئمة وذلك بما بذلوه من العناية في جمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم من مختلف أقطار الأرض التي تفرق فيه الصحابة. فقد كابدوا الأسفار الطويلة في طلب الأحاديث من حفاظها. واجتهدوا في تدوين متونها، وضبطها وتمحيصها، وجمع طرقها وتحرير رواياتها، ومعرفة حال رجالها، وصحة أسانيدها، وقويها من ضعيفها، وغير ذلك مما يحتاج إليه علم الحديث، وهذا الأمر مما لم تتجه إليه همة كل من سبقهم من الأئمة. وإن كان أغزر منهم علماً وأقوى منهم استنباطاً للأحكام من الكتاب والسنة. فقد حبا الله بعض عباده بفضل، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وجعل فوق كل ذي علم عليم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
قال المعترض: "الوجه الثالث: لا خلاف أن في الكتاب والسنة: الناسخ والمنسوخ. وهذا منه المنسوخ من الكتاب بالكتاب ومنه المنسوخ من الكتاب بالسنة. ومنه المنسوخ من السنة بالسنة. وهذه الأقسام أوسع أسباب الاختلاف بين الصحابة والتابعين والأئمة وفيها العام والخاص، والمقيد والمطلق، والمجمل والمفصل، والظاهر والمضمر – إلى آخره. فهذه كلها أحاط الأئمة الأربعة وأصحابهم بأطرافها وما تركوا فيها زيادة لمستزيد، حال كون أئمة الحديث ما تعرضوا لشيء منها البتة. بل سردوا الأحاديث سرداً في أبوابها على علاتها، فإذا وجدتم حديثاً في البخاري أو غيره في سألة، ومثله في موطأ مالك مثلاً، أحدهما فيه تشديد والثاني فيه ترخيص، فأنى لكم معرفة الناسخ،