على أولئك منهم فتنة تدع الحليم فيهم حيراناً" وذكر ابن أبي الدنيا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال علي كرم الله وجهه: " يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، مساجدهم يومئذ عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر من تحت أديم السماء، منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود" وذكر الأوزاعي عن حسان بن عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سيظهر شرار أمتي على خيارها حتى يستخفي المؤمن كما يستخفي المنافق فينا اليوم" ومنشأ ذلك وسببه إنما هو الإعراض عن منهاج الرسول وما كان عليه هو وأصحابه صلاة الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، والإقبال والانقياد إلى طاعة هذا العدو اللعين، الذي توعد وجد واجتهد في قوله لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين. وقد قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فلذلك حصل الران والغمرة، ووجدت الغفلة فانعكس الأمر وهجر ما الله به أمر، وارتكب ما عنه نهي وزجر. فصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً واتبعت الأهواء وعمت البلوى، فالآمر بالمعروف ينكر عليه، والمتبع لهواه المنقاد إلى الباطل والمتنسك به يجل ويوقف بين يديه. وقد آل ذلك إلى عمى القلوب، والجهل بما هو من العبيد مطلوب حتى إذا أوجد الله رجلاً أحيا به قلوباً قد انعكفت وانهمكت في أنواع باطل مضاد للحق متناول للشرك الأكبر فما دونه، فبصرهم به وأنقذهم منه ونهاهم عنه ثم قادهم إلى سبيل الخير والنجاة الذي هو منهاج نبيهم وأصحابه وما أنزل القرآن لأجله قام عليه أهل الأهواء فجرحوه وبدعوه، ومنهم من جعل اليهود والنصارى أخف شرّاً منه ومن إتباعه بلا تدبر ولا تذكر ولا تفكر في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، ولا في كلام الأئمة الأعلام ممن سلف من الأنام، وما حصل لهم وعليهم من الأذى في ذات الله تعالى حسداً وبغياً، إما لأجل حق عملوا به وقالوه ونهوا عن ضده واجتنبوه أو لتصنيف صنفوه أو على غير ما شيء من ذلك أسلفوه، وإنما هو بسبب عدم موافقتهم لهم فيما اعتادوه.
ومن تأمل أحوال السلف وما جرى عليهم من أنواع البلوى إما قتلاً وإما حبساً أو نفياً أو ضرباً ابتلاء لو ذكرت أسبابه على تفاصيلها وذكر عدد من ابتلى ممن سلف لاحتمل ذلك مجلدات ضخام ولكن لنا في الاختصار أسوة علم علم اليقين أن الله